قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (٤٤)﴾
يدل على الموت أمر وجودي، وهو مذهبنا خلافا للمعتزلة، وهذا بناء على أن العدم الإضافي لَا يصح كونه أثراً للقدرة، وأما على القول بصحة [كونه*] أثرا لها، فلا يتم الاحتجاج بالآية، وإنما يتم الاحتجاج بقوله تعالى: (خَلَقَ الْمَوْتَ)، لأن خلق لَا يتعلق إلا بالوجود.
وقال الفخر: في الكلام تقديم وتأخير، أي أحيا وأمات، ولا يحتاج إليه، لأن الواو لَا ترتب، وقدم الموت مع أنه هو لم [يخالف*] ما سبق من تقديم الملائم، إما لرءوس الآي، وإما لأن الدنيا سجن للمؤمن، والخطاب للمؤمنين، فهو ملائم.
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ... (٤٥)﴾
السهيلي: لم يؤت في هذه بضمير الفصل كما أتى به فيما قبلها، لأن بعض الجهال قد نسب تلك الأفعال لغير الله تعالى، كقول النمرود (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)، وأما هذا فلم يدعه أحد. انتهى، تقريره أنه سلك في الآية المتقدمة طريق الحصر بالبناء على المضمر، فقال: وأنه هو كذا، ولم يفعل ذلك هنا، والجواب: أنه لما وقع الخلاف بين النَّاس في مدلول تلك الآيات، فالمعتزلة يقولون: إن العبد يخلق أفعاله، فيخلق الضحك والبكاء، وفرقة أخرى ينكرون الآخرة والبعث، وفرقة أخرى قالوا: ما يهلكنا إلا الدهر، وأنكروا أن الموت والحياة مخلوقان لله تعالى، [احتيج*] في ذلك لأداة الحصر، بخلاف خلق الذكر والأنثى، فإنه لم يخالف فيه أحد، والحاصل أن الآيات المتقدمة مجرد دعوى مقرونة بدليلها، وهو خلق الضدين الذكر والأنثى، إذ لم يخالف أحد في الجمع بين الضدين، أنه ليس من فعل العبد بوجه، حسبما قال الضرير في نظمه: "ورد قول الطبعي الجاحد" بقوله [(تُمْنَى) *]، واحد؛ ولذلك خلق الله تغير الضدين الذكر والأنثى من نطفة واحدة، إذا تمنى، فإن قلت: وله كذا الضحك والبكاء ضدان، وقد جمع بينهما في آن واحد، قلت: فرق بين الجمع بين الصفات، وبين الجمع بينهما في الذوات، فالأول: أخف يمكن أن يدعى بخلاف الثاني، فإنه أضعف فما يلزم من دعوى ذلك في الصفات، ودعواه في الذوات، وخلق هنا ماضٍ بمعنى المستقبل، لأن إذا لما يستقبل. الآية عامة مخصوصة بآدم، وحواء، وعيسى عليهم السلام.
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (٤٧)﴾


الصفحة التالية
Icon