أقوى منهم لم تستطع أن تنزعه، وأتت هذه القصص [معطوف بعضها على بعض*]، لأن كل واحد منها لم تقترن مع الأخرى في زمان.
قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣)﴾
أكدت قصة نوح بتكرار الفعل، وهو (فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا)، وقصة عاد يذكر قوله (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ)، في أولها وآخرها، وأكدت هذه بقوله تعالى: (بِالنُّذُرِ)، وتلك لم يذكر فيها متعلق [التكذيب*]، بل جاءت مطلقة، لأن التكذيب بالمعجزات أخف من التكذيب بالمواعظ، والإنذارات.
قوله تعالى: ﴿فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ... (٢٤)﴾
هذا بما للعلة بالأمور العادية، وقوله تعالى: (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا... (٢٥) [**خاطبه عامية]، لأن الأول دعوى، وهذه دليل عليها، وهو أنهم استدلوا بأمرين:
أحدهما: اختصاصه بالرسالة من [بينهم*]، [ولم يُرسَل هو إليهم*].
والثاني: نسبتهم إليه الكذب [والأشر*]، مع أنه تقرر أن من صفات الله عز وجل الإرادة، وأنه من حقيقتها الترجيح من غير مرجح، فمن يعتقد هذا فلا يقول: إن الموجب لتخصيص هذا بصفة دون هذا الشخص الآخر، والإضراب بـ بل انتقال، وقولهم كذاب دعوى، ودليل مرتب على الأول أي بل هو كذاب في دعواه الرسالة، وأسر كونه وضع نفسه في غير تهيئة عندهم ومن نزل نفسه غير منزلها فهو أسر مخاصم وسجل عليهم بذكر ثلاثة أمور قبيحة، وهي: هلا كان من غير [جنسنا، ولئن كان فلم اختص دوننا*]، ونحن أفضل منه، فهو ترجيح بلا مرجح، ولكن سلمنا بشريته فأكثره معتبر، ويقع بها الترجيح، لأن البينة ترجح بالكثرة، ونحن أولى بهذا الترجيح، ولأن [إخبار*] الأكثر يحصل العلم ويضعف احتمال الكذب؛ بخلاف خبر الواحد، فإِن قلت: لم قدم الذكر هنا، وأخَّره في سورة (ص)؟ قلت: المقصود بالإنكار في هذه كون الموحي إليه [**ليس يزعم لَا في نفسه] وفي سورة (ص)، لما تضمن ما نص الله تعالى عنهم في قوله تعالى: (وَعَجِبُوا أَنْ)، مقصود إنكارهم وتكذيبه وطعنهم في نفسه أولا قد قدم الذكر.
قوله تعالى: ﴿مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦)﴾
لم لم يذكر المسند إليه هنا كما ذكره في قوله تعالى: (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ)، لا سيما إن جعلنا من موصولة لَا استفهامية.
[... ]
قوله تعالى: ﴿فَعَقَرَ (٢٩)﴾


الصفحة التالية
Icon