هذا الوعظ والتخويف كما يقول أحدنا لصاحبه سنترك [... ]، ونتفرغ إليك، فهو داخل في باب الوعظ والتخويف، [والإله*] قيل: لَا يشغله شأن عن شأن [**قبله]، إشارة إلى أنه لَا يخفي عنه خافية ولا يعجزه شيء، قيل لابن عرفة: فهو دليل على القاضي أبي بكر الباقلاني القائل: [**بأن بلغ مطلقا لَا يبعث] فقال: المشهور أنه يبعث، فقال: المشهور أنه يبعث، أو نقول: بأن [... ] مخصوصة به وبمن ليس له ذنب، قيل له: ما حكمه تعقبه بالآلاء، أو النعمة فيه، فقال: هذه غاية النعمة، لأنك إذا زجرت مخاطبك عن فعل، وخوفته بالعقاب عليه، ثم قلت له: سنفرغ إليك بنفس الانتقام منك، يكون أقمع وادعى إلى الانزجار عما هو بصدده.
قوله تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا... (٣٣)﴾
قال ابن عرفة: جعله ابن عطية نفوذاً معنويا ذهنيا، باستعمال [الفكر*] في السماوات والأرض ليتوصل بذلك إن تحصيل المعلوم، فتكون الآية إلى الأمر الدنيوي، وجعله الزمخشري نفوذا حسيا باعتبار الهروب والسير والشيء فيها، فيكون أمرا آخر، وبإحالة إنذار من عذاب الآخرة، قال ابن عرفة: ويكون جملة على الأمرين إن كان النفوذ للقدر المشترك بينهما، فهو الذهاب الحسي والمعنوي، ويصح هنا لأنه في سياق النفي، ونفي الأعم يستلزم نفي الأخص، لأن الآية في معنى نفي الاستطاعة عنهم، وإن كان المراد بالنفوذ الأمر الأخص بكل [واحد من ذينك تحسين*]، فيكون لفظا مشتركا فيجيء فيه تعميم اللفظ المشترك، لكنه في سياق النفي فهو أخف من الإثبات، قال ابن عرفة: قيده بالاستطاعة، ولم يقل إن قدرتم، مع أن القدرة أعم لقوله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ" ففاعل الشيء بمشقة قادر غير مستطيع، فأما أن نفي الأخص أعم من نفي الأعم، قيل له: يبقي القدرة مع مشقة، فقال. يقول: أنهما متساويان، والقدرة أخص.
قوله تعالى: (مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ).
قال: من لابتداء الغاية وانتهائها، قيل: إن كان النفوذ الحسي فظاهر، وإن أريد النفوذ المعنوي فلا مبدأ له ولا منتهى له، لأن مبدأه من النظر في السماوات والأرض الحسية، ومنتهاه الأمور المعنوية، وهي من غير كرة، فقال ابن عرفة: هي منفية من باب أحرى، لأنهم إذا عجزوا بعدم القدرة عن النظر في الأمر الحسي فقط، فهو شيء واحد، فأحرى أن يعجزوا عن النظر الحسي والمعنوي (لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ)، فقدم الإنس على الجن،