إذن في تشبهها بالوردة، فقال: شبهه بالوردة المشابهة للدهان، ولو اقتصر على تشبهها بالوردة، لأفاد الاحمرار فقط، وذكر الدهان يفيد الاحمرار والرطوبة.
قوله تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ... (٣٩)﴾
التنوين عوض لها من انشقت، أو من كونها وردة، قيل لابن عرفة: هما متلازمان فقال: بل بينهما مختلف، بدليل عطفهما بالفاء، قال: ويحتمل أن يريد المجموع، أي فيومئذ يرجع ذلك كله، قال: وهذا نظير مسألة وردت من بجاية في مفقود، أخذ القاضي فيه بمذهب ابن القاسم، أنه معمر سبعين سنة، وأثبتوا أن عمره يزيد على السبعين، وحكم القاضي بموته فورثه ابن عم له موجود حينئذٍ، ثم وجد له ابن عم آخر أقرب من الأول، وادعى أن أباه حيا عند بلوغ المفقود سبعين، وأنه يحجب هذا ابن العم الموجود الآن، وأثبت ذلك بالبينة، وطلب الاختصاص بميراث ابن عم أبيه، فهل يرث المفقود ابن عم الموجود حين بلوغه السبعين؟ أو ابن عم الموجود حين الحكم [بموته*]، والمسألة وقعت نظيرتها في كتاب العتق الأول من المدونة فيما إذا أعتق نصف عبده، ثم فُقِدَ السيد، لم يعتق باقيه في ماله، [وأوقف ما رق منه؛ كأنها في ماله إلى أمد لَا يجيء بمثله، فإذا بلغ تلك المدة جعلنا ماله لورثته حينئذٍ، فتكون لوارثه يومئذ إلا أن تثبت وفاته قبل ذلك، فيكون لوارثه يوم صحة ثبوته*]، وظاهرها أن ماله لابن عمه الأول (١)، لكن أجاب ابن عرفة: بأن ثبوته حينئذ يحتمل أن يكون عوضا من جملة [جعلنا يوم الحكم لَا من جملة بلوغ تلك المدة*].
قوله تعالى: (إِنْسٌ).
قال الزمخشري: أي بعض الإنس، أو بعض الجن، قال: وهذا يحتمل أن يكون البعض الآخر، يسأل ولا يسأل، لأنه قد تفرد في علم المنطق، أن ليس بعض قد تكون مبالغة كلية، فيقتضي السلب الكلي، قيل: لو أراد هذا لأخرج الآية عن ظاهرها، ولم يقل: معناه بعض النَّاس، فقال: فسره بذلك ليفيد الجواب: عن سبب نسبه الضمير في قوله تعالى: (رَبِّكُمَا)، قيل له: يفيد هنا أن يقول المراد لَا نسأل [أحدا*] من الإنس عن ذنبه، فقال: كلامه محتمل للتعبيرين، قال: وما لَا ذنب له [تتناوله الآية، ويكون كقوله*]: "عَلَى لَاحِبٍ لَا يَهْتَدِي بِمَنَارِهِ" قال الزمخشري في قوله (كَالدِّهَانِ)، فقال: هو من الكلام الذي يسمى التجريد كقوله:
فَلَئِنْ بَقِيتُ لأَرْحَلَنَّ بِغَزْوَةٍ... تَحْوِي الْغَنائِمَ أَوْ يَمُوتُ كَرِيمُ
قال ابن عرفة: أراد أنه جزء من الوردة يعني الدهان فقط، ومثله ابن مالك بقوله:
"أَرَأَيْتَ إنْ أَعْتَقَ رَجُلٌ نِصْفَ عَبْدِهِ وَالْعَبْدُ جَمِيعُهُ لَهُ ثُمَّ فُقِدَ الْمُعْتِقُ فَلَمْ يَدْرِ أَيْنَ هُوَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَالُ الْمَفْقُودِ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَبْلُغَ مِنْ السِّنِينَ مَا لَا يَجِيءُ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَإِذَا بَلَغَ تِلْكَ الْمُدَّةَ جَعَلْنَا مَالَهُ لِوَارِثِهِ يَوْمَئِذٍ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ جَعَلْنَا مَالَهُ لِلَّذِينَ كَانُوا يَرِثُونَهُ يَوْمَ مَاتَ، فَهَذَا الْمُعْتَقُ أَرَى أَنْ يُوقَفَ نِصْفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لِمَنْ يَكُونُ هَذَا النِّصْفُ الَّذِي لَمْ يُعْتَقْ وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا النِّصْفُ الَّذِي لَمْ يُعْتَقْ مِنْ الْعَبْدِ لَمْ يَرِثْ الْمَالَ قُلْتُ: وَلَا يُعْتِقُهُ فِي مَالِهِ؟
قَالَ: لَا، لِأَنِّي لَا أَدْرِي أَحَيٌّ هَذَا الْمَفْقُودُ أَمْ مَيِّتٌ فَلَا يُعْتَقُ فِي مَالِهِ بِالشَّكِّ". اهـ.