هذا يعبر عنه البيانيون، لأنه من باب نفي الشيء بإيجابه، مثل "عَلَى لَاحِبٍ لَا يَهْتَدِي بِمَنَارِهِ، وإن شئت قلت في العبارة: أنه من باب نفي الشيء نفي لازمه، والمعنى واحد لأن قوله لَا يهتدى بمناره، يوهم في الظاهر أن له منارا، أو كذلك قوله تعالى: (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا)، يوهم أن فيها لغوا وتأثيما غير مسموع لهم، والمقصود أنه ليس هو فيها بالأصالة، وفي سورة الطور (لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ)، فلا يقال: لَا يلزم من نفي السماع نفي الوقوعِ، وذكر عدم السماع، لأن ما بعده وهو سماع السلام، وهذا كقوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ)، فيقال: ما أفاد ذكر السيارة مع دخولهم في مدلول (لكم)؟ فيجاب: بأنه ذكر لأجل ما بعده من ذكر، ولما كان السيارة بفرضيته الترخص والتخفيف عليهم نص عليها مع دخولهم في قوله تعالى: (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ)، واللغو أعم من التأثيم، لأنه قد لا يكون فيه إثم، فقدم عليه كما قدم في قوله تعالى: (لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا)، وقوله تعالى: (يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ)، [لإفادة*] المساواة بين اللغو والتأثيم، أو ليدل الكلام مرتين بالمطابقة والالتزام.
قوله تعالى: ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (٢٧)﴾
كررها في أول السورة وهنا، فهو إما أجمل أولا وفصَّل هذا، وذكره أولا من حيث الإجمال، وهنا من حيث [الجزاء*] المرتب عليه، والمراد [أن*] من يأخذ كتابه بيمينه، أو أصحاب اليمين محلهم عن يمين العرش، والأول أظهر، وقال عياض في الإكمال في كتاب الإمارة في حديث: " [إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ*] "، قال المفسرون: أصحاب اليمين أصحاب المنزلة الرفيعة، وقيل: يسلك بهم يمينا إلى الجنة، وقيل: لأن الجنة عن يمين النَّاس، وقيل: سموا بذلك، لأنهم [ميامين*] (١) على أنفسهم، وبعده أصحاب الشمال، وقيل: لأن أودعهم أول الخلق جانب آدم [الأيمن*]، وبعده أصحاب الشمال، انتهى، والمناسب حمله على مطلق الصحة ليتناول الملازم من باب أحرى، وذكر السدر [(٢٨)] إما لما قالوه: إن بعض النَّاس يتمنى أن