قوله تعالى: ﴿عَلَى عَبْدِهِ... (٩)﴾
في لفظ العبد رد على الحكماء القائلين: بأن للأنبياء اختصاصا زيادة في ذاتهم بالطبع، ونحن نقول النبوة، إنما هي فضل الله يؤتيه من يشاء، ولا خصوصية لهم في ذواتهم، فعبر بلفظ العبد تنبيها على أنه من جنس العبيد.
قوله تعالى: (آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ).
ويحتمل أن يريد القرآن والمعجزات، فإن قلت: كيف يفهم هذا مع قوله تعالى: (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)، [هو*] تنبيه على الجملة من حيث فصاحتها ورصافتها ودلالتها على حكمة منزلها.
قوله تعالى: (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ).
أفعال الله الراجعة لذاته، غير معللة، وأما ما يتعلق بالمكلفين فهي معللة عند المعتزلة عقلا، وعندنا نحن يجوز تعليلها شرعا، فأتى هذا على أحد الجائزين فهو من باب ربط شيء بشيء، لَا على معنى التعليل، الفخر: قال القاضي: فيها حجة للمعتزلة القائلين بأن الله تعالى لم يرد الكفر، بقوله تعالى: (لِيُخْرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ)، فظاهرها أنه أنزل الآيات ليؤمن الجميع، فآمن البعض، ودام الآخرون على كفرهم، انتهى، يجاب: بأن المراد آيات بينات صالحة لأن يخرجكم بها من الظلمات إلى النور، أو هي سبب لإخراجكم من الظلمات إلى النور.
قوله تعالى: (وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ).
تقدم في سورة براءة تقديم الرءوف على الرحيم في الذكر من كلام الفخر ابن الخطيب في شرح الأسماء الحسنى.
قوله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ... (١٠)﴾
إن قلت: لم قال [قبل*]: (وَمَا لَكُم لَا تُؤْمِنُونَ) بلفظ المضارع المحتمل للحال، والانتقال، وقال هنا: (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا) بلفظ المستقبل، لأن (أنْ) تخلص الفعل للاستقبال بلا خلاف، وأما (لَا) فمختلف فيها، هل تلخصه للاستقبال أو لَا؟ وعلى تقدير تسليم أن (لَا) تخلص الفعل للاستقبال اكتفائها في الآيتين، فلم زيدت معها هنا (أنْ)، فالجواب: أن الإيمان يمكن حصوله من المكلف في الحال، لأنه من أفعال القلوب، فناسب لفظ الحال، والنفقة في سبيل الله لَا يقدر المكلف على فعلها حين الأمر بها، بل في الاستقبال، ولا سيما مع قولهم إن المراد النفقة في الجهاد، وهذا معلوم بالضرورة لأنا الآن في زمن جلوسنا إذا أمرنا أحدنا باعتقاد رجل أو تصديقه [أو تكذيبه*]، يمكننا