ينقلون عن ذلك الظن، بل لَا يزالون ظانين، ومنهم من أجاب: بأن تنكيره وتنوينه يفيد التعليل.
قال: وفي الآية اللف والنشر، فقولهم: (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا)، راجع لقوله تعالى: (وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا)، وقوله تعالى: (وَمَا نَحْنُ بمُسْتَيْقِنِينَ) راجع لقوله تعالى: (إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) قال: والعطف يدل أنه لم يجعلَ لنا منها إلا الظن، بل لم يجعل إلا لنا عدم اليقين الذي هو أعم من الظن والشك.
قوله تعالى: ﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا... (٣٣)﴾
[ما*] مصدرية أو موصولة، وكان بعضهم يرجح [كونها*] موصولة، لأن إضافة الأثر إلى المفعول وهو المؤثر بعد إضافته إلى الفعل، فإذا أبدت لهم سيئات الشيء الذي عملوا، فأحرى أن تبدو لهم سيئات عملهم، وإن كان [أحدهما*] يستلزم الآخر.
قال: وفي الآية حسن الائتلاف، فاقتران به سيئات عملهم، واقتران حاق بـ يستهزءون، لأن البدأ عبارة عن أول ما يظهر من الشيء، و (سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا) يقتضي مطلق الذنوب الناشئة عن مطلق ما اتصفوا به من العمل، والاستهزاء عبارة عن شدة ما اتصفوا به من القبيح، والحوق: الإحاطة، قلت: ومنه قولهم: الطائفة محوقة بهذا الرقم، ففرق الأشد بالأشد، والأحق بالأحق.
قوله تعالى: ﴿وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ... (٣٤)﴾
قال ابن عرفة: ذكروا في المجاز أنه لَا بد له من علاقة، وإن علاقة ترجح الحمل على المجاز مع جواز الحمل على الحقيقة، قالوا: وقد تكون العلاقة توجب الحمل على المجاز مع جواز تحريم الحمل على الحقيقة، ويسمى هذا عندهم الدال البرهاني، ومنه هذه الآية؛ لأن النسيان بمعنى الذهول، فيستحيل على الله تعالى، ففسر هنا بمعنى الترك، واقترانه باليوم يمنع حمله على الحقيقة لاستحالة نسيان الأمر الحالي؛ إذ هو مرئي ومشاهد، وإنما نسي الغائب. والكاف في قوله تعالى: (كَمَا نَسِيتُمْ) للتعليل، مثل: (وَأَحْسِنْ كَمَا أحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ).
* * *


الصفحة التالية
Icon