[عليهما*] وعلى ذريتهما؟ قلت: ذريتهما داخلون في لفظ الرسول من قوله تعالى: (بِرُسُلِنَا)، فهم متبعون لَا تابعون، ويجاب [بأن لفظ الذرية*] [عام*] يشمل الأنبياء والرسل، لقوله (فِي ذُرِّيَّتِهِمَا)، فهو محصول فيه، ليكون هذا الضمير عائدا على بعضه، وهم ذووا النبوة فقط، أي ثم قفينا على آثار نوح وإبراهيم، ومن نشأ من ذريتهما بالرسل، وإعادة لفظ (قفينا) [في المعطوف تأكيدا*]، ولأجل ذلك عطف بالواو دون ثم.
قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً).
جعل عند أهل السنة بمعنى خلق، وعند المعتزلة بمعنى صير، ابن سلامة: الرأفة والرحمة يشتركان في رقة القلب، واختلف فيما يمتازان به فقيل: الرأفة أخص من الرحمة، وقيل: الرحمة أخص، وقيل: إنهما متغايران، فالرأفة الامتناع من المكروه، كامتناعك من ضرب زيد رأفة عليه، والرحمة إيصال الأمر الملائم كتصدقك على زيد رحمة له، وقال شيخنا: الرأفة هي أن تزيل عن الشخص ما يكرهه، مع بقاء تألمك منه، والرحمة أن تزيل عنه ذلك من غير تألم في نفسك، وهذا كحنانك على ولدك المسجون، وعلى أجنبي مسجون، وهو موافق لما ذكروا في الآية، من أن الجبابرة ظهروا على المؤمنين فبعضهم قاتلهم، وبعضهم جلس بين أظهرهم مؤمنا، ولم يقاتل، وبعضهم خرج عنهم وانقطع للرهبانية، فالمقاتلون اتصفوا بالرأفة لدين الله، والجالسون اتصفوا بالرحمة، والمنقطعون ترهبوا، وجعل الفارسي (رَهْبَانِيَّةً) منصوبا بفعل مضمر، أي وابتدعوا رهبانية، ولم يعطفه على (رَأْفَةً وَرَحْمَةً) اعتزالا منه، لئلا يكون مجعولا لله، لأن الرأفة والرحمة من الصفات [**الكلية]، فهي داخلة تحت القدرة القديمة يصح كونها مجعولة لله، والرهبانية من الصفات [**الكتبية] التي هي عندهم من متعلق الحادثة، فكانت من فعل العبد، فلذلك لم يعطفها على معمول (جعل)، وتكلم عليها ابن هشام في شرح الإيضاح في باب الاستقبال، وابن عصفور في شرحه أيضا بطويل من الكلام، وعلل الفارسي ما ذكره في الإيضاح بقوله: لأن الرهبانية لَا يستقيم حملها على (جعلنا) مع وصفها بقوله: ابتدعوها، لأن ما يجعله هو تعالى لَا يبتدعونه هم، ابن عصفور: جعل مفسروا هذا الكتاب هذا التعليل منه مبينا على أصول المعتزلة، إن ما يفعل العبد مقدور له فلا يفعله الله؛ لاستحالة مقدر بين قادرين، وما ذكروه ليس كذلك، بل إذا [ذهبوا إلى*] أن ما يجعله الله تعالى في القلوب [فلَا*] يوصف العبد بأنه اخترعه في عرف لغة العرب لَا حقيقة [ولا مجازا*]، [ولو أراد ما يتوهمونه لقال: إن*] ما يجعله هو تعالى حقيقة لَا يوصفون بابتداعه على طريق الحقيقة، ولا


الصفحة التالية
Icon