انتهى، قال شيخنا: ولا يخالف ما ورد في الحديث: من نزوله الأرض في آخر الزمان لاحتمال أنه يجيء حينئذ بعد موته (١)، وينزل إلى الأرض، وانظر كلام ابن عطية في سورة آل عمران في قوله تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ).
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ... (٢٨)﴾
ابن عطية: قيل: المخاطب بها أهل الكتاب، أي يا أيها الذين آمنوا بعيسى آمنوا بمحمد، وقيل: الخطاب للمؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أي دوموا على إيمانكم، انتهى، فالأمر على هذا بالإيمان مجاز، بمعنى الدوام، هذا إن قلنا: إن الإيمان لَا يزيد ولا ينقص، وإن قلنا: إنه يزيد وينقص، فيكون الأمر بالإيمان حقيقة، والآية دليل على أن الأمر للتكرار، إذ لو لم يكن [للتكرار*] لكان للمرة الواحدة، ولو كان للمرة الواحدة للزم عليه لحوق الرحمة، والثواب للمزيد، وهو باطل بالإجماع، فدل ذلك على أن الأمر بالتقوى والإيمان للتكرار والدوام عليه إلى الموت، ورد هذا بوجهين:
الأول: أنه معارض بأن تقول ما ذكرته من الدليل، وإن دل على ثبوت الحكم في صورة النزاع [فثَمَّ ما ينفيه*]، وهو من مات إثر إسلامه فإنه تناله الرحمة والثواب إجماعا، ولو كان الأمر للتكرار للزم عليه ألا ينال ذلك إلا من تكرر منه الإيمان، وأجيب: بوجهين:
الأول: أن ذلك إنما أتى من مفهوم الآية، وهو أن المعنى آمِنوا إيمانا دائما متكررا، ودليلنا نحن مستفاد من منطوق الآية، والمنطوق مقدم على المفهوم.
الثاني: أن دوام كل شيء [**يُحس] فهذا دوام حكمي لَا وجودي، فيدخل في ضمن الآية.
الوجه الثاني من الردين أن الخلاف إنما هو حيث يرد لفظ الأمر غريبا عن القرائن، وهذا السياق يدل على أنه للتكرار، أجيب: بأنه في اللفظ ما يدل عليه، وإنما القرينة من خارج تخصصه أو تقيده، وذلك لَا يمنع من جواز حمل اللفظ على التكرار، وقد قال الجدليون: جواز الإرادة موجب للإرادة، فجواز إرادة التكرار موجب لإرادة التكرار، بل التكرار مستفاد هنا من لفظ الأمر، لأن المراد بقوله (آمنُوا)، حصلوا الإيمان الشرعي، [وإلا فالشرعي*] هو الدوام عليه، أجيب: [بأنه ليس كذلك*]، بل المرتد قد حصل الإيمان الشرعي.

(١) كلام في غاية البعد، وكان المتوقع من الإمام ابن عرفة -وهو المحقق المدقق- أن يرد هذا الكلام، لا أن يؤيده. اهـ (مصحح نسخة الشاملة).


الصفحة التالية
Icon