قوله تعالى: (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ).
وفي سورة النساء (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا) فجعل النصيب جزاء عن الحسنة، والكفل جزاء عن السيئة، وهنا جعله في جزاء السيئة، والجواب: أن الجمع بين الآيتين ينتج أن الكفل أعم، يصدق على جزاء السيئة، وجزاء الحسنة، والنصيب خاص بجزاء الحسنة، و (مِن) في (رحمته) إن كانت للسبب فالرحمة بمعنى الإرادة، أي [يثبكم*] عليه، بسبب [إرادته*] ذلك، وإن كانت للتبعيض فالرحمة راجعة لصفة الفعل.
قوله تعالى: (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا).
إن قلت: دفع المؤلم آكد من جلب الملائم، وإيتاء الرحمة وجعل النور أمر ملائم، والمغفرة من باب دفع المؤلم، فهلا قدمت؟ فالجواب: أنه من عطف الترقي.
قوله تعالى: (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
إن قلت: الرحمة سبب، فهلا قدمت عليها؟ قلت: المغفرة راجعة لدفع المؤلم، والرحمة لجلب الملائم؛ فلذلك أخرت، وقال السماكي: لأن المغفرة سلامة، والرحمة غنيمة، والسلامة مطلوبة قبل الغنيمة، ثم قال: فإن قلت: لم ذكر في سبإ في قوله تعالى: (وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ)، فأجاب: بأن ذلك منتظما في تعداد الخلق من المكلفين، وغيرهم، فالرحمة [تشملهم جميعا*]، والمغفرة تخص بعضا دون بعض، والعموم قبل الخصوص.
قوله تعالى: ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ... (٢٩)﴾
إن قلت: فيها حجة على المعتزلة في قولهم: إن العبد يخلق أفعاله، قلت: لا دليل فيها لوجهين:
الأول: اتفاقا على أن قدرة العبد قاصرة عليه، ولا [تَصَرُّفَ*] له في قدرة غيره، والقدرة هنا منسوبة لله تعالى، أي هم عاجزون عن كل ما تفضل الله به.
الثاني: أن المراد من قوله (مِنْ فَضْلِ اللَّهِ)، الحكم بالشيء من ثواب [وعقاب ونصرة*]، وغير ذلك، فيكون أمرا [حُكْمِيًّا*]؛ لَا أنه فعل وجودي، فإن قلت: فيها دليل على أن أهل الكتاب عناد؛ لاقتضاء أنهم سيعلمون بنصرة المؤمنين عليهم عجز به عن