قوله تعالى: ﴿فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠)﴾
أخص من قولك أولئك أذلاء، ووصف الذلة مقابل لوصف محادتهم، فإن قلت: ظاهرها يوهم كون الشيء ظرفا لنفسه، لأن الأذلين هم المحادون لله، قلت: المعنى على التجوز في جملة الأذلين في العذاب.
قوله تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ... (٢١)﴾
ابن عطية: أي قدر ذلك وأراده في الأزل، الزمخشري: كتبه في اللوح المحفوظ، انتهى، هذا جار على مذهبه، لأنه ينفي الإرادة في الأزل لكنه أقرب إلى ظاهر اللفظ، وعلى تفسير ابن عطية يكون الكتب مجازا، ودخلت اللام في (لأَغْلِبَنَّ) لتضمن الفعل معنى الإرادة، وهي لَا تقع جوابا إلا بعد أفعال القلوب، فإن قلت: لم أتى هذا الفعل بهمزة المتكلم وحده؟ وهلا كان بالنون لأنها للمتكلم، ومعه [غيره*]، أو للمعظم نفسه، ولا أعظم من الله عز وجل؟ فالجواب: أنه عدل عنها خشية إيهام الاشتراك في الغلبة؛ لقصد التنبيه عليه باستقلال الله تعالى واختصاصه بالغلبة دون وزير ولا معين.
قوله تعالى: (قَوِيٌّ عَزِيزٌ).
القوة راجعة للقدرة، [والعزة*] بمعنى أنه مستغن بإرادته وعلمه وممتنع عن [الاحتياج*] إلى غيره.
قوله تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا... (٢٢)﴾
قيل: إنها نزلت في المنافقين، وقيل: في حاطب بن أبي بلتعة من المؤمنين ومخاطبته أهل مكة، وحديثه في مسلم، في كتاب فضائل الصحابة، وذكره الزمخشري في أول سورة الممتحنة، وجعله هنا من التخيل، وقال ابن عطية: المراد يؤمنون الإيمان الكامل، انتهى، وتحقيقه [أنَّا*] إن قلنا: أنها نزلت في المنافقين فينفي وجدان الموادة حقيقة، معناه لَا تجد مؤمنا يواد من حاد الله ورسوله من حيث كونه يحادد إليها مكافأة عن يد سلفت، أو نحو ذلك، فحينئذ لَا يكون المراد نفي الوجدان حقيقة؛ لأن ذلك قد وجد في المؤمنين، كحاطب ونحوه، فيحتاج إلى أحد أمرين: إما أن يجعله تخيلا، فالمراد نفي المراد الإيمان الكامل، ويؤخذ من الآية عدم تزويج الكتابية، لأن التزويج ملزوم للمودة، لقوله تعالى: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)، وتقديره أن الكتابية محادة لله ورسوله، وكل من حاد الله ورسوله لَا يواد، فالكتابية لَا تواد، ثم تقول الزوجة تواد، وكل من يواد لَا يكون كافرا [فالزوجة*] لَا تكون


الصفحة التالية
Icon