فيحصل همٌّ لأبيهم كحال [التعاون*] والنصرة على هذا فيكون [ميل*] النفس إليهم أشد بهذا المعنى، وأما الآخرة فيتناولون آخرة النسب وآخرة الإسلام، أعني الأصحاب؛ لأن البنين يتفرعون منه وحده، والآخرة يتفرعون من أبيه وابنه ومن أبيه خاصة ومن أمه خاصة وما يتفرع من أصل [... ] أقل مما يتفرع من ذلك، والعشيرة أكثر من ذلك كله، فسلك في الآية على هذا مسلك الترقي، وانظر ما يأتي بعد هذا في سورة الممتحنة ويقرر كون العطف ترقيا من وجه آخر أيضا، وهو أنه إذا كان الإيمان مانعا من موادة الأب الذي لَا يمكن خلقه عقلا، [فأحرى*] أن يمنع مِن موادة من يمكن خلقه وهو الابن، وفي سورة عبس (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) فقدم الأخ على الأب.
قوله (أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ).
قول النقاش: كتبه في [اللوح المحفوظ*]، اعتزال مع كونه سببا، وكذلك قول الطبري: قضى لقولهم الإيمان وكله بمعنى اللام، وكتب مشرب معنى قضى اعتزال أيضا، بل المراد خلق في قلوبهم الإيمان، وعبر عنه بالكتب؛ [ليفيد*] تحقيق ذلك وثبِوته، وكلام الزمخشري هنا أوله يوهم الصواب، وآخره اعتزال، في قوله في تفسير (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)، أي بلطف من عنده، والمراد بالروح الهداية وسماها روحا؛ لأنها بها تحصل حياة النفوس حقيقة.
قوله تعالى: (وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ).
عطف المضارع على الماضي، إما لأن هذه جملة أخرى ابتدائية، فالمراد وهو يدخلهم، أي والله يدخلهم أو أن يدخلهم في معنى أدخلهم بإدخالهم لَا أنه أدخلهم بالفعل، لأن بعضهم [... ] حكى شيخنا أبو الحسن محمد ابن الشيخ أبي العباس أحمد البوني عن الشيخ الصالح أبي الحسن علي بن منتصر الصدفي: أنه حكى عن الشيخ الواعظ [أبي*] الحسن علي البوني كان ساكنا بحارة اليهود من تونس، وكان يقضي حوائجهم ويملأ لهم الماء من عنده ويسعفهم بمرادهم [ولا يكلهم إلى*] ما ينوبهم في رمي الزبل الذي هنالك، فلما مات تركوا ذلك كله، فطلبهم أهله بالرجوع إلى عادتهم، وقالوا لهم: إنه أوصانا عليكم فسألوهم عن موجب ذلك، فقالوا: موجبه من نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم أوصى على الجار، وأكد حقه فأسلموا كلهم ببركة الشيخ رحمة الله عليه.
* * *