الْيَمِّ)، قلت: القذف في التابوت من حيث هو مستقبح تكرهه النفوس البشرية، وكذا قال: [(فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ) *] لما كان الإلقاء في الساحل من اليم محبوبا [للنفوس*]، وكذلك القذف في اصطلاح الفقهاء ورمي الإنسان بما يكرهه على وجه خاص، فقوله: [... ].
قوله (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ)، هذا من باب الاستدلال بالمسبب على السبب، لأن حصول الرعب في قلوبهم سبب في تخريبهم بيوتهم، وينبغي أن يكون التقدير ويخربونها بأيدي المؤمنين، وإلا لزم استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، لأن تخريبهم بيوتهم بأيديهم حقيقة، وأيدي المؤمنين مجازا، على ما قلناه يلزم الإضمار، وقد قالوا: إذا تعارض المجاز والإضمار، فالإضمار أولى وأحرى، [وإن*] كان المجاز مختلفا فيه، فإن استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه مختلف فيه، وذكر ابن عطية هنا سبب الجلاء قال: [أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه كتب على بني إسرائيل جلاء، وكانت بنو النضير ممن حل بالحجاز بعد موت موسى عليه السلام بيسير، لأنهم كانوا من الجيش الذي رجع وقد عصوا في أن لم يقتلوا الغلام ابن ملك العماليق لجماله وعقله، وقد كان موسى عليه السلام قال لهم لا تستحيوا أحدا، فلما رجع ذلك الجيش إلى بني إسرائيل بالشام وجدوا موسى ميتا، وقال لهم بنو إسرائيل أنتم عصاة والله لا دخلتم علينا بلادنا، فقال أهل ذلك الجيش عند ذلك ليس لنا أحب من البلاد التي غلبنا أهلها، فانصرفوا إلى الحجاز، فكانوا فيه فلم يجر عليهم الجلاء الذي أجراه بختنصر على أهل الشام، وقد كان الله تعالى كتب في الأزل على بني إسرائيل جلاء فنالهم هذا الْجَلاءَ على يدي محمد صلى الله عليه وسلم، ولولا ذلك لَعَذَّبَهُمْ الله فِي الدُّنْيا بالسيف والقتل كأهل بدر وغيرهم*]. انتهى، هذا الخبر في نفسه يتفق، ولكنه لَا ينزل على لفظ الآية لاقتضاء الآية أن بني قريظة والنضير لم يعذبوا بالسيف بل أخرجوا من بلادهم، والخبر يقتضي أنهم قوتلوا واستؤصلوا ولم يبق منهم أحد، فإن قلت: هؤلاء ذريتهم، قلت: اقتضى الخبر استئصال جميعهم، ويجاب بما ذكر ابن عطية بعد هذا من أن [... ] أهل قريظة ونفاهم إلى الشام، ثم رجع بعضهم، فيحتمل أن يكون هؤلاء هم الذين أخرجوا ولم يعذبوا بالسيف من بني النضير، وبقايا بني النضير قريظة، والصواب الوقف على قوله (فِي الدُنْيَا)، خشية أن يتوهم دخول ما بعده في جواب (لولا)، فيكونوا في الآخرة غير معذبين، واستدل الأصوليون بقوله تعالى: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)، على صحة العمل بالقياس اعتبارا وكل اعتبار مأمور به، فالقياس مأمور به، [أما أنه اعتبار فلأن الحكم*] الذي في الأصل معتبر في الفرع ومنقول إليه، ولكن ينازع الخصم في الكبرى، وهو كل اعتبار مأمور به فيمنع كليتها.


الصفحة التالية
Icon