جعله الزمخشري (جبلا) على مذهبه، لأن التمثيل يكون في الأمور المستحيلة الوجود، كالتشبيه بالصفاء والقول، والتمثيل يكون في الأمور الجائزة الممكنة الوجود، والزمخشري يشترط في الجمادات النية، فيستحيل فيها الخشوع عنده، ونحن لا نشترط ذلك؛ بل نشترط العلم والحياة فيصح عندنا وقوع الخشوع من الجمادات، خلق الله فيه العلم والحياة، ويمكن على مذهبه أن يكون تخيلا؛ بل هو من تعليق المحال على المحال، مثل (إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ)، ويجاب عنه؛ بأن الآية في سياق الوعظ والتخويف، ولا يقع ذلك إلا بالممكن لا بالمحال، وهذا نحو جواب شمس الدين الجزري لما احتج الفخر على جواز الشيخ في قوله تعالى: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا)، ورد عليه السراج الأرموي: بأن لزوم الشيء بالشيء لَا يلزم منه وجوب وقوعه ولا إمكان وقوعه، فأجاب عنه الجزري: بأن الآية خرجت مخرج التمدح، والتمدح إنما يكون ممكن الوقوع، السماكي: التمثيل تصوير لحقيقة الشيء حتى يتوهم أنه [ذو*] صورة تشاهد، وأنه مما يظهر في العيان كقوله تعالى: (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) الآية، وقوله تعالى: (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ)، ولا يكاد [يخلو منه باب في علم البيان*]، ولا أدق ولا أهون على تعاطي المتشابهات، وهذا نحو من كلام الزمخشري، وخلاف ما قال ابن أصبغ فإِن قلت: الآية دليل على أن القرآن اسم جنس، يصدق على الكثير والقليل، لأن اسم الإشارة يقتضي الحضور، ولم ينزل حينئذ إلا بعضه، فالجواب: أن المراد ما نزل وما ينزل، لكن يلزم عليه استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، فيجاب: بأن الإشارة لجميعه لوجوده حينئذ وإنزاله إلى السماء الدنيا، فإن قلت: الإشارة إليه إنما هي من حيث إنزاله الإنزال المحصل للخشوع، وذلك في إنزاله لتكليف به، قيل: لو أنزلنا على جبل هذا القرآن الموصوف بالإرسال إلى السماء الدنيا، فإِن قلت: في الآية رد على من عرف القرآن من الأصوليين، بأنه ما بين دفتي المصحف، لأنه يسمى قرآنا قبل وجود المصحف، قلت. سمي قرآنا قبل ذلك، ثم ثبت له هذه [الخاصية*] بعد ذلك عندنا معرفا بها، فإن قلت: في الآية حجة لمن ينفي الكفر عنادا لاقتضائها أن نفس نزول القرآن على تقدير كونه ذا فهم يحصل له الخشوع، ذلك هو نفس الإيمان ففسر نزوله غير مخص به للإيمان، فليس كل كفر عنادا، قلت: فرق بين حصول الخشوع في القلب وبين النطق بالشهادتين باللسان، فحصول العلم في القلب بنفس نزول الآيات، والإيمان اللفظي بسببه تكليف الرسول وطلبه ذلك وأمره به، فقد يمنع منه من حصل له العلم في القلب كأبي طالب.