سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا... (١)﴾
ابن عطية: نزلت في غزوة الحديبية، وقال الزمخشري: يروى أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم [بالمدينة وهو يتجهز للفتح*] (١)، وهذا هو الصواب، لأن غزوة الحديبية لم ينقل أنها كانت فيها الكثرة من النَّاس، بحيث يحذر منهم حاطب بن أبي بلتعة بخلاف الفتح، وهنا ثلاثة أسئلة:
الأول: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لعمر: " [وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ*] "، فقبل عذره، ولم يقبل عذر الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غزوة تبوك، مع أن فيهم من حضر بدرا؟ وجوابه: [أنه*] خاطبهم بالمفسدة وعافاه الله منها بإعلامه نبيه وإظهاره الكتاب قبل [وصوله*] إلى الكفار، والثلاثة المتخلفون وقع منهم التخلف [بالفعل*]، فالمراد بقوله: اعملوا ما شئتم، [الهمُّ*] بالمفسدة، [لا بقاؤها بالفعل*]، لأن قضية حاطب قضية [**في عين]، وليس فيها إلا الهم بالمفسدة، والمشهور عند الأصوليين في العام إذا ورد على سبب أنه [يقتصر*] على سببه.
السؤال الثاني: كيف طلب عمر رضي الله عنه، أن يضرب عنقه بعد تصديق النبي ﷺ وعلى آله، لسارة: أمسلمة جئت؟ قالت: لا. والخطاب بـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)، تصديق له أيضا في أنه مؤمن، وجوابه: أنه توهم أن قتله حد وأدب لا أنه مرتد.
الثالث: ذكر الزمخشري، قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لسارة: أمسلمة جئت، قالت: لَا، قال: أمهاجرة جئت قالت: لَا، فيرد في هذا السؤال تقريره أنه يلزم من انتفاء الشرط انتفاء المشروط، والإسلام شرط في المعجزة، وقد سألها عنه أولا فنفته، فلم سألها ثانيا عن الهجرة؟ مع علمه بأنها غير مسلمة، فإِن أجيب: بأنه ليس المراد الهجرة الشرعية، بل لتحصيل حاجة، فإنها إنما خرجت لإلحاقها الفاقة، رد بأنه لو كان كذلك لما [أجابت*] بقولها: لَا، وهنا أيضا.
سؤال رابع: وهو أن لفظ الآية منافٍ لسبب نزولها، وتقريره أن السبب يقتضي العتب، والخطاب في الآية بوصف الإيمان وعدم إفراد المنادى [ينافيه*].
قوله تعالى: (تُلْقُونَ).
"روى أن مولاة لأبي عمرو بن صيفي بن هاشم يقال لها سارة أتت رسول الله ﷺ بالمدينة وهو يتجهز للفتح، فقال لها: أمسلمة جئت؟ قالت: لا. قال: أفمهاجرة جئت؟ قالت: لا. قال: فما جاء بك؟ قالت: كنتم الأهل والموالي والعشيرة، وقد ذهبت الموالي، تعنى: قتلوا يوم بدر، فاحتجت حاجة شديدة، فحث عليها بني عبد المطلب فكسوها وحملوها وزوّدوها، فأتاها حاطب بن أبي بلتعة وأعطاها عشرة دنانير وكساها بردا، واستحملها كتابا إلى أهل مكة نسخته: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، اعلموا أنّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم، فخرجت سارة ونزل جبريل بالخبر، فبعث رسول الله ﷺ عليا وعمارا وعمر وطلحة والزبير والمقداد وأبا مرثد -وكانوا فرسانا- وقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى أهل مكة، فخذوه منها وخلوها، فإن أبت فاضربوا عنقها، فأدركوها فجحدت وحلفت، فهموا بالرجوع فقال على رضى الله عنه: والله ما كذبنا ولا كذب رسول الله، وسل سيفه، وقال: أخرجى الكتاب أو تضعي رأسك، فأخرجته من عقاص شعرها". اهـ