محقق، فإن قلت: وكذلك رؤية أجسامهم غير محققة؛ لأنهم قد تغيبوا [عن*] العيون، قلت: الغيبة قدر مشترك بين الرؤية وسماع الكلام، فإذا غابوا لم يسمع كلامهم [وتمتاز*] الأجسام بتحقق الرؤية حال الحضور، سواء تكلموا أو سكتوا.
قوله تعالى: (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ).
كان الفقيه القاضي أبو العباس ابنُ حَيْدَرَةَ رحمه الله يقول: أفاد ذكر (مُسَنَّدَةٌ)، أنها غير منتفع بها في شيء، لأنها إذا كانت غير مسندة تكون سقفا أو عمدا أو غير ذلك مما فيه منفعة.
قوله تعالى: (قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).
الصواب أن فيه تقديما وتأخيرا، أي أنى يؤفكون قاتلهم الله، لأن بعد الدعاء طلبهم بالمقاتلة لَا يحسن التعجب من صرفهم، لأن من صرفه الله فهو مصروف، وأما قبل الدعاء فيحسن ذلك.
قوله تعالى: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا... (٧)﴾
الظاهر أنه حكاية معنى قوله لَا لفظه؛ لأنهم إنما قالوه في الخلاء، ولم يقولوه في الملأ، وهم في الخلاء لَا يقولون إنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا يقرون بذلك، وفي الآية رد على من يقول المفهوم الغاية، لأن قصدهم بالنهي عن [الإنفاق*]، [التأبيد*] لَا إلى غاية إلا أن يقال من شرط مفهوم المخالفة، أن لَا يمكن حمل الكلام وتأويله إلا عليه، وهنا يحتمل مفهوم الموافقة، أو نقول بموجبه، [ولا يتناول*] محل النزاع، وهم ينفقون عليهم بعد الانفضاض، لأنهم إذا علموا أنهم لَا ينفقون عليهم حتى ينفضوا عنه، فإنهم ينفضوا عنه إن كانوا على طرف من الإيمان.
قوله تعالى: ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا... (٨)﴾
أتى به غير معطوف، لأنه جواب عن سؤال مقدر، وكأنَّ قائلا قال: لم كانوا لا يفقهون، فقال: لأنهم يقولون (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ)، فإِن قلت: لم أتت مقالتهم أولا بأداة الحصر وهي [هُمْ*]، أو البناء على المضمر، وأتت هنا بغير حصر مع أن الجميع خاص بهم لم يقله غيرهم؟ فالجواب: أن هذا خبر مبتدأ مضمر، أي هم يقولون لئن رجعنا، وصح حذفه هنا؛ لأن الخبر لَا يصلح إلا له وكون الموصول يقتضي الحصر بين، وقد قال مالك في الوصايا: إذا أوصى بعبده مرزوق لفلان، ثم أوصى به لفلان، فإِنه يكون بينهما معا، فإن قال: عبدي الذي أوصيت به لفلان، أعطوه لفلان فهو للثاني، ويعد رجوعا عن الأول، وما ذلك إلا لاقتضاء الموصول في الحصر.