يقل: والذين كفروا يدخلهم النار تشريفا للمؤمنين وتحقيرا للكافرين وأدبا لهم، وإن كان الكل من فعله وخلقه.
قوله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ... (١١)﴾
يحتمل أن يعم اللفظ الخير والشر، وهو خاص بالشر، وهو الظاهر، ويتقرر وجه مناسبتها لما قبلها بأحد أمرين: إما بأنها تسلية للنبي صلى الله عليه وعلى آله سلم، أي لا [تحزن*] على عدم إيمانهم، فإن ذلك بإرادة الله تعالى وإذنه.
وإما بأنه احتراس؛ لأنه لما تقدم أن من يؤمن بالله ويعمل صالحا، يجازى بتكفير السيئات، ومن يكفر بالله يجازى بدخول النار، أوهَم ترتب ذلك الجزاء على ما ذكر أن الإيمان والكفر من فعل المكلف وكسبه واختياره، فاحترس عن هذا التوهم بأن جميع الحوادث من خير وشر من الله تعالى، فمن أصابه هم وحزن من موت حبيب أو ذهاب مال، فلا يهتم لذلك؛ وليعتقد أن الله تعالى قدره وأراده وعلم وقوعه، لأن الإذن يشمل العلم والإرادة المخصصة له والقدرة المبرزة من العدم إلى الوجود، والآية دليل على أن الاستثناء من النفي إثبات، لأنه ليس المقصود نفي المصيبة، وإنَّمَا المقصود حصرها بالإذن.
قوله تعالى: [(وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) *].
إن قلت: الهداية متقدمة على الإيمان، وسبب فيه، فكيف رتبت عليه؟ فالجواب: إما أنه مثل (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى)، وإما بأن المراد بالإيمان مجرد التصديق، أي ومن يصدق بوجوده الله، يهده إلى التصديق بوحدانيته، لأنهما بابان في علم الكلام، [فالتصديق*] بالوجود غير التصديق بالوحدانية، ولا يقال: إنه يلزم عليه الخلف في الخبر من جهة أن المشركين بالله يصدقون بوجوده؛ لأنا نقول: المراد من يصدق بوجود الله في التصديق وحصول ذلك موجب للتصديق بالوحدانية.
قوله تعالى: (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
إن قلنا: إن المعدوم لَا يطلق عليه شيء، فيكون تأكيدا؛ لأنه مستفاد من قوله: (بِإِذْنِ اللَّهِ)، لما تقدم من الإذن يشمل العلم والقدرة والإرادة، فكل حادث الله علمه بالحوادث بين الموجودات.
قوله تعالى: ﴿فَاحْذَرُوهُمْ... (١٤)﴾