الاستعمال أن الوجه إنما يعبر عن الذات عند إرادة التشريف، فيعبر عنها بأشرف الأشياء، قال تعالى (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ)، وفي حديث مسلم [سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ*] وأوقع الظاهر موقع المضمر، فلم يقل وجوههم إنما تعظيما لهول ما اتصفوا به، وتنبيها على السبب الذي استحقوا به ذلك العذاب.
قوله تعالى: ﴿آمَنَّا بِهِ... (٢٩)﴾
هذا ماض متصل بالحال، فهو بمعنى اسم الفاعل، وفيه دليل على جواز أن يقال: أنا مؤمن دون زيادة إن شاء الله تعالى، وتقدم الكلام على ذلك في سورة الأنفال، وأورد الزمخشري سؤالان: وهو لو قال (آمَنَّا بِهِ)، فأخر المجرور، ثم قال (وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا)، فقدمه، وأجاب: بأنه تعريض لهم لاتصافهم بعدم الإيمان انتهى، ويرد بأنه لو أريد التعريض بهم، لقيل به آمنا فيفيد الحصر والاختصاص، وإنما الجواب: أنه لما عهد في الشرع خصوصية التوكل بالله تعالى أتى به محصورا، وأتى به في الشرع عدم اختصاص الإيمان بالله تعالى، قال تعالى (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ)، وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ) الآية، وفي حديث القدر "أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ" الحديث فلذلك [لم يأت*] به محصورا.
قوله تعالى: (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ).
استغنى بهذا عن ذكر [من لم يذمه*] أي ومن هو مهتدٍ.
قوله تعالى: [(إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا... (٣٠) *]
إن قلت: هلا قيل: إن أصبح ماؤكم عدما، فهو أعجب وأغرب، ولأن الزمخشري حكى عن بعض الشطار أنه قال: [تجيء به الفئوس*] والمعاول، فلو قيل: إن أعدم ماؤكم لما اغتر هذا الضال، وقال ما قال، لأن العدم لَا تخرجه [فئوس*]، بخلاف الغائر فإِنه يتوهم أن [الفئوس*] تكشف عنه؟ فالجواب: أن هذا أبلغ في باب التخويف، لأنهم إذا عجزوا وخوفوا بعدم إدراكهم الماء إذا غار في الأرض، فأحرى أن لَا يقدروا عليه إذا عدم من أصل.
قوله تعالى: (مَعِينٍ).
ابن عطية: فعيل من مَعَنَ الْمَاءَ، إذا [كَثُرَ*]، أو مفعول من العين أي جار على العين أصله معيون انتهى، اشتقاقه من العين الجارية صحيح، لكن كونه بمعنى مفعول باطل،