المجرمين كالمسلمين، وإنما رِوعي فيها مناسبتها لما قبلها، لأنه لما قال في آية المجرمين (وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ)، فأتى فيه مطلقاً غير محصور فيهم، وعقبه بقوله تعالى: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ)، أتى بهذا التشبيه نفيا لما قد يتوهمه أحد من أن ذلك العذاب قد ينال المتقين بعضه، وإن قلَّ؛ أي [أفنجعل*] المسلمين في العذاب كالمجرمين، أي ليسوا مثلهم في لحوق العذاب، فلا [يلحقهم*] منه شيء ألبتَّة، قيل: [أفنجعل*] المتقين، وقال الزمخشري: معناه [أنحيف في الحكم*] فنجعل المسلمين كالمجرمين، فإن قلت: هلا قيل: أفنجعل المتقين كالمجرمين؟ قلت: كلما ناقض الأعم شيئا ناقضه الآخر.
قوله تعالى: [(مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ... (٣٧) *]
هذا الترتيب على ما يقوله الأصوليون من أن المنقولات السمعيات فرع للمعقولات، أي هل لكم على دعواكم دليل عقلي نظري؟ أم لكم دليل سمعي نقلي وجدتموه في كتبكم الذي تدرسونها؟
قوله تعالى: (فِيهِ تَدْرُسُونَ).
لم يقل: [فيه تحفظون*]، فأجاب بعضهم: بأن الغزالي في المستصفي في باب الاجتهاد، وإمام الحرمين في البرهان: [أجابا*] بأن المجتهد لَا يجب عليه حفظ القرآن، وإنما [يطالب*] بحفظ آيات الأحكام فقط، قال الغزالي: وهي خمس مائة آية، ولا يلزمه حفظ آيات القصص والأخبار، وعبر بالدرس دون الحفظ أو القراءة إشارة إلى [قولهم:*] إن العلم لَا يحصل إلا بالتكرار والممارسة والدراسة، وكذا حكى ابن سهل في أحكامه: أن اللؤلؤي سئل [عمن*] يوصي بعبده لبعض ورثته، إن أجاز باقيهم، فإن لم يجيزوه له فقد أوصى بعتقه من ثلثه، فأفتى بأن الوصية ماضية، وخطأه فيها ابن زرب وغيره، والمسألة منصوصة في المدونة في آواخر العتق، الثاني: قال ابن سهل وما سبب ذلك إلا أنه كان في آخر عمره، ترك دراسة العلم ومطالعة الكتب لكبر سنه [فنسي*] كثيرا من مسائله، وحكى المازري في العلم في حديث: " [مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ*] "، أن شيخه عبد الحميد الصائغ انقطع في آخر عمره للعبادة، حتى كان إذا سئل عن بعض المسائل، يتوقف فيها ويحيلنا على غيره.


الصفحة التالية
Icon