إيمانهم، وعصيانهم الرسول هو عدم تصديقهم بالنبوات، فإن قلت: هلا قيل: رسول الله، [أو رسول*] الجبار فهو أبلغ في التخويف؛ لأن معصية الإنسان لمن يعلم أنه جبار منتقم أدل على [جرأته*] وعدم خوفه، فالجواب: أنه تقرير الفرق بين قولك عصى فلان فلانا فضربه، وبين قولك عصا أباه فضربه، فالثاني أشد؛ لأن ضرب الأب ولده، إنما يكون على شدة المخالفة، وهو في الأكثر يسمح له ويتجاوز عنه، فضربه له دليل على سوء عصيانه ومخالفته إياه.
قوله تعالى: ﴿لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ... (١١)﴾
فيه سؤال تقريره أن [**فوران الماء متأخر عن شرطها واقع بعقبه]، وطغيان الماء مسبوق بفورانه، فالحمل في السفينة بعد طغيان الماء المتأخر عن فورانه، وقال في هود (وَقَدْ أَفْلَحَ)، (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا)، فاقتضت الآية أن الحمل فيها يعقب الفوران، فهو قبل الطغيان لَا بعده، وجوابه: أن الحمل فيها حالة كونها سائرة لقوله تعالى: (فِي الْجَارَيةِ)، والحمل فيها المراد به أوائل الحمل، وهو حالة كونها [واقفة*]، وهو متقدم على حالة سيرها، ابن عطية: قال قتادة: علا الماء على كل شيء خمسة عشرة ذراعا، انتهى، مراده تحديد أقل العلو لَا أكثره، أي [أعلى*] شيء فعلا جبل في الأرض خمسة عشرة ذراعا، وأما أخفض بقعة [في*] الأرض فعلا عليها أكثر من ذلك، وحكى ابن عطية عن منذر أنها سفينة نوح، وعن المهدوي إن معناه في السفن الجارية. انتهى، والأول أصح لوجوه:
أحدهما: أن الخطاب لأهل مكة وليس [عندهم نحوه*].
الثاني: قرينة قوله تعالى: (طَغَى الْمَاءُ)، فيدل على أنه زمن الطوفان في مدة نوح.
الثالث: أن الجارية لفظ مفرد؛ إلا أن يقال: المراد به الجنس، وفيه بعد، فإن قلت: يلزم على الأول المجاز، أي حملنا إياكم، وعلى الثاني يكون حقيقة، قلت: بل هو حقيقة في الجميع لأنا كنا في ظهر نوح عليه السلام ومن معه.
قوله تعالى: ﴿لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (١٢)﴾
قيل: التذكر متأخر عن سماع الخبر، فهلا أخر عنه؟ أجيب: بأن التذكر لمن أدرك سفينة نوح وشاهدها، وكان فيها، وسماع الخبر لمن بعد، قيل: لو كان كذلك لقيل: "ليجعلها لهم" بضمير الغيبة؟ أجيب: بأنه لما [اشتمل*] اللفظ على مخاطب


الصفحة التالية
Icon