قوله تعالى: ﴿وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (٢٦)﴾
إن قلت: لأي شيء عطفه بالواو ولم يعطفه بالفاء المقتضية للتسبب، لأن [إيتاء*] الكتاب سبب في [درايته حسابه*]، وعدمه سبب في عدم درايته حسابه، فالجواب: أنه لو عطف [بالفاء*] مثبتا، كان المتمني [سوى الأول*]، فعطفه بالواو على أنه تمنى كل واحد من الأمرين على حدته.
قوله تعالى: ﴿يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (٢٧)﴾
إما أن المراد يا ليت الموتة الأولى كانت قاضية عليَّ، فيحتاج إلى تعذر وصفه، أي القاضية الأبدية التي لَا رجوع منها للحياة، وإما أن المراد يا ليت هذه الحالة التي أنا فيها من العذاب كانت تقضي [عليَّ*] [... ] ولا يحتاج في هذا إلى تقرير صفة الأبدية، لأن المعنى [يهدي*] لذلك، فإِن قلت: هذه الآية ترد قول المتكلمين: [الوجود*] خير [كلُّهُ*] والعدم شر [كلُّهُ*]، فإِن هذا قد تمنى العدم، وهو عنده خير من الوجود، فالجواب: أنه إنما تمنى العدم لما نابه من شدة العذاب في وجوده، وقولهم: العدم شر [كلُّهُ*] بالنظر لنفسه فقط؛ لَا لعارض يعرض.
قوله تعالى: ﴿هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (٢٩)﴾
أجاب بعض الشيوخ: الوقف [عَنِّي*] [ويبتدئ*] (سُلْطَانِيَهْ)، (خُذُوهُ) أي يقول [الكافر*]: سلطانيه خذوه، ويخاطب الملائكة فقط، سلطان: المراد به الجنس، ويكون أمرهم [بأخده*] [وهذا*] صحيح في المعنى، لكن فيه تكلف (خُذُوهُ) إن قلت: لأي شيء روعي في آية أهل اليمين لفظ [الجمع*]، [ومعناها تقيد (كُلُوا وَاشرَبُوا)، وهنا رد على لفظها فقط]، فالجواب: أن أهل اليمين المطلوب تكثيرهم فناسب الجمع، وأهل الشمال المطلوب تقليلهم فناسب الإفراد، وإن كانوا باعتبار الوجود أكثر [عددا*].
[(٣٤) *]
[وانظر*] هل الحض على إطعام المسكين أعم من إطعامه، أو بينهما عموم وخصوص من وجه دون وجه، لاجتماعهما فيما إذا حض الإنسان نفسه على الإطعام وأطعم، أو هما ضدان، وهو الأظهر كما أن الصواب أن صفة العلم ليست أعم من صفة القدرة، بل هما صفتان متباينتان.
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا... (٣٢)﴾
جعله ابن عطية من باب القلب، أي اسلكوا السلسلة فيه وحده، الزمخشري: على ظاهره، وقال: إن السلسلة تحيط به ويلف فيها، وإطعام الطعام أشق على النفوس من مجرد الحض على إطعامه، [فالذم*] على تركه أشد وأولى من [الذم*] على ترك الأشق