ثم يود أن يفتدي من ذلك بالأخ والفصيلة، وهو الأكثر من الأولين فهو أقوى في الحظوة.
الوجه الثاني: أنه ترق باعتبار المحبة وتعلق النفس لقولهم: من أحب شيئا استكثر منه، فالإنسان ما يستحضر في ذهنه إلا من يحب [عند*] نزول البلاء، إنما يود الفداء بمن دونهم في المحبة، ثم بمن دونهم، فإن قلت: إنما جرت عادة العرب، أن يفتدوا آبائهم وأمهاتهم يقولون، كما في الحديث: بأبي أنت وأمي، قلت: [هذا*] بالعرف، وهذا باعتبار الحقيقة.
قوله تعالى: ﴿كَلَّا... (١٥)﴾
قال الغزالي: لم تقع في القرآن إلا في النصف الثاني، والحكمة في ذلك أن الأول [أكثره*] مدني، والزجر في المدينة إنما كان بالسيف، قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ)، (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ)، (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً)، والنصف الثاني: أكثره مكي، والزجر في الحكمة إنما كان بالقول.
قوله تعالى: (إِنَّهَا لَظَى).
قال بعضهم: هذا يدل على جواز عود الضمير على ما بعده لموافقة الاسم في الخبر للتأنيث.
قوله تعالى: ﴿مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧)﴾
يحتمل أن يكون العطف تأسيسا، ويكون المراد بمن (أدبر) من لم يزل كافرا وبـ (تولى) المرتد، أو المراد بمن (أدبر) الكافر، وبمن (تولى) المنافق، لأن أقبل على الإيمان بظاهره، وتولى عنه بباطنه، وكان القاضي أبو علي عمر بن الربيع يقول: إن (كلا) هنا ليست للزجر، لأن الزجر إنما يصلح، حيث يمكن الانزجار إلا أن لَا يكون الزجر على حقيقته، بل على سبيل التبكيت عليهم، قال شيخنا: بل هي للزجر، وتظهر فائدته في الدنيا، لأنهم إذا سمعوا هذه الآية قد ينزجر بعضهم عن كفره ومخالفته، فينجوا من العذاب.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (١٩)﴾.. الزمخشري: المعنى [إن الإنسان لإيثاره*] الجزع والمنع وتمكنهما منه، [ورسوخهما فيه،*] صار كأنه مجبول عليهما [مطبوع*]، وكأنه أمر خلقي [وضروري*] غير اختياري، [كقوله تعالى (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) والدليل عليه أنه حين كان في البطن والمهد لم يكن به هلع، ولأنه ذمّ والله لا يذمّ فعله،*] انتهى، هذا من الكلام الموجه، فالمعتزلي يعني به أن الله لَا يخلق القبيح الموصوف بالذم،


الصفحة التالية
Icon