إن قلت: لم عطف الأول بـ ثم والثاني بالواو؟، فالجواب من وجهين:
الأول: أنه لما كان الإخراج دفعة واحدة، والإنبات شيئا بعد شيء، والإعادة في الأرض كذلك أتى بـ ثم إشارة إلى المهلة بين أول الإنبات وأول الإعادة في الأرض لما كانت أمرا ضروريا مشاهدا لَا يخالف فيه أحد أتى به على حكم الوجود الخارجي بـ ثم التي للمهلة، ولما كان الإخراج من الأرض قد أنكروه، أتى به معطوفا بالواو؛ تحقيقا لوجوده إشارة إلى أنه لَا مهلة فيه حتى كأنه أقرب شيء، فإِن أجيب بأن المهلة الفاصلة بين الإنبات والموت هي في زمن الحياة؛ فهي مشاهدة ظاهرة يدركها كل أحد، والفصل بين الإعادة في الأرض والإخراج منها يوم القيامة ليس بظاهر فلذلك لم يأت فيه بالمهلة بأن هذا إنما يتم في الشخص الواحد بذاته فإِنه يدرك الفصل بين نشأته وموته، وأما الفصل بين موته وإخراجه من الأرض فلا يدركه، ونحن نجعله في أبناء جنس الإنسان المهلة الفاصلة بين نشأة جده وموته وسيشاهد المهلة عند موته.
قوله تعالى: ﴿سُبُلًا فِجَاجًا (٢٠)﴾
وفي سورة (فِجَاجًا سُبُلًا) فكل منهما صفة وموصوف.
قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ عَصَوْنِي... (٢١)﴾
إن قلت: إنها تؤكد الجملة إذا كان المخاطب منكرا لها، أو ظهرت عليه مخائل الإنكار، والله أعلم بكل شيء، فلا يتم ذلك بالنسبة إليه؟ فالجواب: أن الإنكار قسمان: فهو بالمعنى المذكور مستحيل هنا.
والقسم الثاني: أن يكون ما تعاطاه المكلف منكرا غير الموافق عليه للشريعة، وهو المراد هنا لقوله (عَصَوْنِي) مع أن طاعة الرسول واجبة، والآية تسلية للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من جهة عصيان قوم نوح نوحا، وتخويف لقريش من جهة عقوبته قوم نوح على عصيانهم، والآية حجة لمن يقول: إن الأمر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيء؛ لأن نوحا هو مبلغ عن الله تعالى، فهم إنما عصوا الله تعالى لمخالفتهم أمره لهم على لسان رسوله، فلما قال (عَصَوْنِي) دل على أنه هو [الآمر لهم، بذلك الشيء*]؛ إلا أن يجاب بأنه أسند العصيان إلى نفسه على [جهة*] الأدب؛ لأن في إسناده إلى الله تعالى جفاء وغلظة في العبارة.
قوله تعالى: (مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ).
قال المفسرون: المراد به إسرافهم، فعلى ما قالوه تكون الآية دالة على عصيان الأشراف المتبوعين باللزوم لَا بالمطابقة؛ إن جعلنا ضمير اتبعوا عائدا على ما عاد عليه