سُورَةُ الْجَنِّ
الإتيان بـ (قُلْ... (١).. دليل على [غرابة المقول*]، وأنه أمر عجيب، وقوله (أُوحِيَ) مع أن القرآن كله موحا به؛ لأنه لو قال اسمع؛ لأوهم أنه يخبر عن من شاهد منهم، وعلم، فقد يقال له حينئذ كيف يسمعهم وليسوا من جنسه ولا من نوعه. فاحترز من ذلك بأنه إنما حصل له معرفة ذلك بالوحي لَا بالمشاهدة، قال القرطبي: والآية تدل على أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يرهم ولا سمع كلامهم، انتهى.
يحتمل أن يكون لم يسمع كلامهم أولا، ثم سمع كلامهم آخرا لما أعلم به فأصغى إليه.
قوله تعالى: (عَجَبًا يَهْدِي).
عبر عن العجب [بأنه*] راجع له في نفسه.
قوله تعالى: ﴿فَآمَنَّا بِهِ... (٢)﴾
ابن عطية: عطفه بالفاء التي للتعقيب مع أنهم ذكروا بين السماع والهداية والإيمان، وعطفه في الآيتين الأخريين بالواو، والجواب: أن هذه الآية في الجن وهو في أمورهم في غاية الإسراع فهو وإن كانت مهلة هو أقرب من غيره، وإعجاز القرآن باعتبار لفظه، ولذلك يقول الإمام فخر الدين: شرط المعجزة أن تكون حادثة، وأما معناها فهو الكلام القديم الأزلي، ونقل القاضي أبو بكر الوليد الباجي في البغية المسمى [التسديد في علم التوحيد*] أن القاضي أبا بكر الباقلاني ذهب إلى أن إعجاز القرآن باعتبار لفظه، وباعتبار معناه القديم الأزلي، والجمهور على خلافه، ونحوه ذكر القاضي أبو بكر الباقلاني في [تأليفه*] في إعجاز القرآن الكريم، وزاد أنه لا يشترط في إعجازه التحدي به إلا للعوام، وأما علماء العرب وفصحاؤهم فهم بنفس أن يسمعوا شيئا عنه يدركون إعجازه بفطرته لما جبلوا عليه من الفطنة.
قوله تعالى: (فَآمَنَّا بِهِ).
الضمير عائد على القرآن، أو على الله تعالى، فيكونوا آمنوا أولا بوجود الله تعالى ثم [وحَّدوه*]، وفي التعبير بلفظ الرب دليل على أن [ارتباط الدليل بالمدلول*]، أمر عادي لَا عقلي؛ خلافا للمعتزلة فهو إشارة إلى رأفته ورحمته بعباده، ولولا ما أرشدهم ما اهتدوا إلى الإيمان.
قوله تعالى: ﴿جَدُّ رَبِّنَا... (٣)﴾