قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ... (١٠)﴾
تضمنت الآية أمرين:
الأول: أنهم حصل لهم العلم بأن الله تعالى موصوف بالحياة والعلم والقدرة والكلام؛ لتعبيرهم بالإرادة، ولم يقولوا: أشر يقع بمن في الأرض، والإرادة تستلزم هذه الصفات كلها.
الثاني: أنهم حذفوا الفاعل على جهة الأدب مع الله في نسبة الشر إليه؛ مع أن الكل من فعله وخلقه جل وعلا، وعمموا الإرادة، ولم يقولوا: أريد بنا، وحمل الزمخشري على ذلك عاقبة الأمر؛ أي لَا يعلم هل يختم لهم بالإيمان أو بالكفر، وهذا بناء منه على أنهم هدوا بعد ما آمنوا، وحمله ابن عطية على حالتهم تلك؛ أي لَا نعلم هل [يؤمن أهل الأرض*] أو يدوموا على كفرهم، وهم بناء على أنهم قالوا ذلك قبل أن يؤمنوا، أو تكون الآية حكاية حال [ماضية*]، وعبروا بالرشد؛ لأنه أخص، واستعمال الأخص في الثبوت أولى من الأعم، أو لأن ذلك كان في زمن النبوة حالة وجود المرشد إلى طريق الجنة، وأول الآية يقتضي عمومية الفاعل، والجهل بالمفعول وهو المراد، وآخرها وهو قوله تعالى: (أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) يقتضي عمومية المفعول، وحذف الفاعل من الأول دون الثاني تأدبا مع الله تعالى في نسبة الخير إليه دون الشر، وإن كان الكل من فعله.
قوله تعالى: ﴿وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ... (١١)﴾
إن كان المعنى، ومنا المقاربون لهم فلا يكون تقسيما مستوفيا، وإن كان المعنى: ومنا الكافرون فيكون مستوفيا.
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ... (١٢)﴾
ابن عطية والزمخشري: الظن هنا بمعنى العلم، انتهى؛ بل هو على بابه، ويدل على ذلك ثلاثة أمور:
الأول: أنه تقرر في علم أصول الدين الاختلاف فيمن يجزم بنفي الصفات عن البارئ تعالى، هل هو كافر أو لَا؟ [وكذلك*] أيضا من يشك فيها.
الثاني: أنهم اعتقدوا ذلك في أول أمرهم من غير جزمهم، ثم لما تمكن الإسلام في قلوبهم جزموا بذلك، فقالوا: [وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا*].


الصفحة التالية
Icon