الثالث: أن الظن ليس متعلقا بعدم الإعجاز المطلق؛ بل يفيد كونه في الأرض فهم جزموا بأنهم لَا يعجزون الله تعالى بالإطلاق، وظنوا أنهم لَا يعجزونه في الأرض؛ أي جزموا أنه يهلكهم، وينتقم منهم، وظنوا [أنه*] إنما ينتقم منهم في الأرض كما نعلم أن الله يميت زيدا، ونشك هل يميته [بمكة*] أو بالمدينة أو بغيرهما.
قوله تعالى: (وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا).
إما معطوف على (وَأَنَّا ظَنَنَّا) فلا يكون مظنونا بل [مستأنفا*]، وإما على أن (نُعْجِزَ اللَّهَ) فيكون مظنونا؛ أي وظننا أن لن نعجزه هربا، وفي الآية إبطال لمذهب الحكماء القائلين أن الجن جواهر مفارقة لَا متحيِّزةٌ ولا قائمةٌ [بالمتحيِّز*]، [فإن الهرب*] من عوارض الأجسام؛ إذ هو [انتقال*] بسرعة، وذلك عين الحركة.
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى... (١٣)﴾
أي سبب الهدى.
قوله تعالى: (فَلا يَخَافُ).
الزمخشري: أي فهو لَا يخاف، قال: وفائدة تقرير الضمير الدلالة على تحقيق أن المؤمن ناج لَا محالة، وأنه هو المختص بذلك دون غيره، انتهى، يتقرر الأول بأن الشرط لما كان يصح ترتيب الأمر المحال عليه، قدر ذلك بما يدل على ثبوت عدم الخوف وتحقق الطمأنينة، وتقرير الثاني أن البناء على المضمر يفيد الاختصاص، فإِن قلت: لَا حاجة إلى المضمر؛ لأن الاختصاص مستفاد من مفهوم الشرط، قلت: يكون تأكيدا وتحقيقا، فإن قلت: البخس أعم فهلا اكتفى به عن الرهق، قلت: "البخس" للمؤمن المتقي، والرهق للفاسق، فلم يتحد المتعلق، [(فَلا يَخَافُ) *] إما نهي أو نفي، [فأما*] النهي [فظاهر*]، وأما النفي [فساقط*]، فإِن قلت: يلزم عليه الخلف في [الخبر*]، قلت: هو معلق على وصف مناسب [لمعانيه فثبت عدم الخوف*]، والآية في قراءة الشكل الأول وتقريره السامع للهدى آمن به، وكل من آمن به لَا يخاف بخسا، فالسامع للهدى لا يخاف بخسا.
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ... (١٤)﴾
عبر أولا بالإيمان، وهنا بالأخص منه وهو الإسلام، كما في حديث [القَدَر*].
قوله تعالى: (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا).


الصفحة التالية
Icon