ابن عطية: [وعد ووعيد*]، [ولو*] كان كذلك كان أمرا حقيقيا، مثل (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ)، أو يقال: المفعول محذوف وتقديره بأحد وجهين: من شاء النجاة اتخذ إلى ربه سبيلا، أيَّ سبيلٍ، وليس في هذا تكرار؛ لأن (سبيلًا) الثاني موصوف بصفة تقتضي تعظيمه، فتنكيره للتعظيم، أو نقول: متعلق التخيير تعيين [... ] (١) [إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ... (٢٠) *] التأكيد [بأنه*] مع أنه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عالم بأن الله يعلم ذلك باعتبار قدر قيامه؛ لأنه عليه السلام غير عالم بذلك، فإن قلت: لم أكد علم الله بذلك ولم يقل [... ]؟ قلت: لأنه يعلم إن ما علم الله وقوعه لابد منه، وما لم يعلم يستحيل وقوعه، وعلم الله تعالى بوجود الشيء مستلزم لوجود ذلك الشيء ضرورة، فلا فرق بين تأكيد علمه بوجود الشيء، وبين علمه بالشيء المؤكد وجوده، فإِن قلت: [**هو أنا يشك في قيامه هذا المقدار ولا ينكر، وهذا حرصا يأتي يبق فلا يحتاج؟ قلت: لما كان يحتقر يختص ما يصدر منه من الطاعة كان منكرا].
قوله تعالى: (وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ).
الظاهر أن المراد بالطائفة هنا الجماعة الكبيرة؛ لأنها في معرض الثناء.
قوله تعالى: (وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ).
أي هو المخصوص بعلم مقاديرهما من غير مشارك له، وهذا كما قال أبو طالب في القوت: إن الشمس في وسط النهار لها ستة زوالات: زوال لَا يعلمه إلا الله تعالى، وزوال [أجلى*] منه يعلمه الملك الموكل بها فقط، وزوال [أجلى*] منه يعلمه سائر الملائكة، وزوال [أجلى*] من ذلك كله يعلمه الأولياء، وزوال [أجلى*] من الجميع يعلمه خواص النَّاس، وزوال [أجلى*] من الكل يعلمه سائر النَّاس، [**وبه عليهم] ما ورد في الحديث: "أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سأل جبريل هل زالت الشمس؟ فقال: لَا نعم"، وذكر القرافي في كتابه المسمى باليواقيت: أن فقيها كان ينكر على صالح في زمانه مبادرته بالصلاة أول الوقت، ويزعم أنه يصليها أحيانا قبل وقتها؛ فكان الصالح يستند في ذلك إلى العلم، ويقول: إنه لَا يصلي إلا في الوقت، فرصده بعض المؤقتين يوما فوجده قد صلى الظهر قبل الزوال؛ فسأله، فقال: إنما صليتها في الوقت بعد الزوال؛ فصوب الفقهاء رأي ذلك الفقيه المنكر، انتهى.
والصواب: أنه يدينان كما قال مالك في التنبيه العتبية في رجلين أبصرا غرابا يطير، فحلف أحدهما بالطلاق الثلاث أنه ذكر، وحلف الآخر كذلك أنه أنثى، قال مالك: يدينان ولا يحنثان، فكذلك هذا قد يكون سمع الآذان من السماء فمعرفته أقوى من

(١) يوجد سقط في هذا الموضع، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon