الوجه الثالث: أن عدد الزبانية في الآخرة على عدد القوى الجسمانية المانعة من [معرفة الله*]، وخدمتها النفس الناطقة، وتلك القوى تسعة عشر خمسة في الحواس الظاهرة، وخمسة في الحواس الباطنة، واثنان هما الشهوة والغضب، وسبعة في القوى الطبيعية، وهي: الجاذبة، والماسكة، والهاضمة، [وَالدَّافِعَةُ*]، [وَالْغَاذِيَةُ*] [وَالنَّامِيَةُ*]، [وَالْمُوَلِّدَةُ*]، فمجموع هذه القوى تسعة عشر، وهي الزبانية الواقعة على باب جهنم، وعلى وفق هذه العدة زبانية جهنم [في*] الآخرة.
قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً... (٣١)﴾
الزمخشري: من إيقاع المسبب موقع السبب؛ أي وما جعلنا عدتهم إلا تسعة عشر، وكونهم [تسعة عشر*] هو سبب الفتنة؛ لأن الفتنة أعم من [كونها*] تسعة عشر أو أقل أو أكثر؛ [فالعدة*] بالإطلاق ليست فتنة، وإنما الفتنة هذه العدة الخاصة، فإن قلت: إضافتها إليهم تفيد [هذا*] المعنى فلا يحتاج إلى تقدير، قلت: الإضافة لَا عهد فيها، وإنما العهد في الألف واللام، وفرق ابن البناء في رفع الحجاب بين العدد والعدة، فانظره، وحمله ابن عطية على حذف الفتنة؛ أي وما جعلنا عدتهم هذا القدر المخصوص إلا فتنة، أو وما جعلنا عدتهم تسعة عشر إلا فتنة.
قوله تعالى: (لِيَسْتَيْقِنَ).
أبو حيان: يمتنع تعلقه بـ (جعلنا) لما يلزم عليه من تعليل الفعل الواحد بعلتين مستقلتين، انتهى.
الحكم الشرعي: يجوز عندنا تعليله بعلتين مستقلتين، فالجمع يجوز ذلك فيه من باب [أحرى*]، لكن نص النحويون على منع إتيان حالين أو ظرفين أو مجرورين أو مفعولين لأجل [فعل واحد*] إلا بحرف العطف؛ إلا أن يكونا في معنى واحد، فلا يجوزون إكراما لك هيبة لعمرو؛ فلهذا قال: [ولكنه*] على تقدير فعلنا ذلك [ليستيقن*].
قوله تعالى: (وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا).
اختلفوا في زيادة الإيمان ونقصه على ثلاثة أقوال: والثالث أنه يقبل الزيادة دون [النقص*] وهو ظاهر، وهو مشكل على قواعد الأصوليين؛ لأن الزائد على الإيمان، إما أن يكون مثله أو غيره، فإن كان غيره فليس [إيمانا*]، وإن كان مثله فيلزم عليه اجتماع المثلين في المحل الواحد وهو باطل؛ لأن الصفة إذا قامت بمحل أوجبت له الاتصاف بها؛ فذلك القدر الذي ازداد [هنا*] إيمانا إن كان بحيث لو زال عنه ثبت له ضده، وهو الكفر وهو إيمان، ويمتنع اجتماعه مع مثله؛ إذ لَا يقبله المحل؛ لأنا إن قلنا:


الصفحة التالية
Icon