يدل على أن النفوس بعد مفارقتها الأجسام لَا تنعدم؛ بل تنتقل من حالة إلى حالة؛ إذ لو كانت تنعدم لما أطلق عليها المفارقة.
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ... (٣٣)﴾
يحتمل أن يريد عموم المقاربة والزوجة فقط، كما هو المراد في قول في المسافر: يمر ببلد فيها أهله أنه يقيم الصلاة ولا [يقصرها يخصص*] ذلك بالأهل؛ إشارة إلى تكرره [منه*].
قوله تعالى: ﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (٣٤)﴾
كان الفقيه أبو زكريا يحيى بن نوح [**البقريني] يقول: إن ذلك باعتبار الأزمنة، أي أولى الهلاك في الدنيا؛ فأولى لك الهلاك في القبر في زمن البرزخ، ثم أولى الهلاك يوم القيامة في الحشر؛ فأولى لك الهلاك حين [دخول*] النار، والأولان قرينتان متعاقبتان فعطفا بالفاء، ولما كان بين نزول القبر ويوم القيامة زمنا طويلا [أتى*] بقوله: (ثم)، وقيل: هو لف ونشر؛ لأنه تقدمت أربعة أمور، اثنان فيها في قوله تعالى: (فَلا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى) وهما متباينان فلذلك كرر فيها (لَا)، والثالث قوله (وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) وهما كالشيء الواحد، فلذلك عطفه بالواو فقط، والرابع (ثُمَّ ذهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) فقابلنا بأربع بكل واحدة منها هلاك علتها يخصها، وعلى قول ابن حبيب في أن تارك الصلاة كافر يكون تولى فلا صدق ولا صلى شيئا واحدا، أي فلا صدق بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قوله تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ... (٣٦)﴾
[... ] على الظن ليفيد التوبيخ على العلم من باب [أحرى*]، ولم يذكر الشك؛ لأن الأغلب في النَّاس هو ذلك لَا الشك، والإنسان إما للعهد، وهو أبو جهل أو للجليس المطلق، فلا يحتاج إلى التخصيص، أو للعموم، فيكون مخصوصا.
قوله تعالى: (أَنْ يُتْرَكَ سُدًى).
أن [يهمل*] في الدنيا من التكاليف، وفي الآخرة من المجازاة، قلنا: وفي الآية دليل على أصل ذلك، وهو جواز الإعادة مع المعجزات الواردة من الرسل واعتبارهم بوقوعها، فينتج [وجوبا*]، ولا يصح أن يكون ذلك على وجوب الإعادة على مذهب الحكماء، والمعتزلة القائلين بالتحسين والتقبيح، وأن ترك الإنسان سدى قبيح، ووجه الدليل منها أن خلقه وتطويره على هذه الحالة ينتج اعتقاد جواز إعادته، وهذه الآية ليست من أول ما نزل بل [إنما نزلت بعد ظهور*] المعجزات [وإخبار*] بالرسل بوقوع الإعادة في الدار الآخرة، فينتج القطع بوجوبها شرعا، في مذهب أهل السنة لَا عقلا.


الصفحة التالية
Icon