أن الأرض إذا لم تمنع ضياء الشمس أن لَا ترى النجوم بالليل، قال شيخنا: والجواب أن هذا الظهور والانحجاب إنما هو باعتبار الرائي لَا المرئي، ونحن في مخروط ظل الأرض فلا يدرك ما يخرج عنه؛ لأن الخارج عنه من الشعاع مرافقنا عن أفقنا، ومعلوم أن من هو في الظلام يرى من هو في الضوء ألا ترى أنا نرى بالليل النار البعيدة عنا، ومن هو عندها لَا يرانا؛ فنظير الكلام الليل؛ لأنا حينئذ في مخروط ظل الأرض فلذلك رأينا النجوم، ولما كنا بالنهار في الضياء يمنعنا رؤية النجوم، وإنما عبر بالطارق؛ لأن النجوم تأتي في كل ليلة طروقا يطلع كل ليلة نجوم لم تطلع قبل، وكان الشيخ الفقيه أبو العباس أحمد بن إدريس يقول: من نظر إلى جدي بنات نعش، وقال أيضا (النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ)، (فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ) (فَسَيَكفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فإِنه لا يلدغه عقرب ما بقي من عمره، وإن لدغته لم تضره وذكر أنه جربه، فصح.
قوله تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (٤)﴾
الحفظ مقول بالتشكيك؛ فالمجنون محفوظ بأن يصاب بأكثر [مما به*]، أو المراد بالحفظ ما تضمن قوله تعالى: (وإنَّ عَلَيْكمْ لَحَافِظِينَ).
* * *
سُورَةُ الْأَعْلَى (سَبِّحِ)
قوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣)﴾
فيه سؤالان: الأول: الخلق صفة فعل حادثة، والتقدير صفة فعل قديمة؛ لأنها إما بمعنى قضائه، أو بمعنى إرادته الشيء على صفة ما دعي سابقة على الخلق [فلم*] أخرت؟ والجواب: أن ذلك بالنسبة إلى الفاعل، وأما بالنسبة إلى المخاطب فينظر أولا إلى المخلوق وصفته، فيعتقد أن فعله كان عن إرادته.
وتقدير السؤال الثاني لم كرر الموصول في الخلق والتقدير، ولم يكرره في التسوية والهداية؟ والجواب: أنه أشار إلى قرب التسوية من الخلق والهداية من التقدير، وقوله (خَلَقَ فَسَوَّى) إشارة إلى وقوع خلقه على وفق مراده فالأحدب خلق في أحسن تقويم؛ لأن ذاته أتت على وفق ما قدره الخالق وأراده.


الصفحة التالية
Icon