قوله تعالى: (فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ).
الفاء إما جواب شرط مقدر، أي إذ لم تعرفه بهذه المقالة فاعرفه بدعه اليتيم، وإما عاطفة عطف الجمل، أو عطف المفردات.
قال الزمخشري: وذلك إما عطف ذات على ذات أو صفة على صفة والموصوف محذوف، والتقدير: أرأيت الإنسان الذي يكذب بالدين، فذلك الإنسان الذي يدع اليتيم، وإن كان من عطف الذوات كان التقدير: أرأيت الشخصين اللذين أحدهما يكذب بالدين، والآخر يدع اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين، وتعقبه أبو حيان بأن ذلك معربة عن الشخص الذي يدع اليتيم، فكيف يشار به إلى الشخص الآخر المكذب بالدين، وهو غيره، فيتعين أن يكون الذي يدع اليتيم هو الذي يكذب بالدين، وأجاب شيخنا ابن عرفة عن الزمخشري بأن الإشارة هنا إلى لفظ الاسم دون معناه لَا يعود الضمير على اللفظ دون المعنى، مثل: عندي درهم ونقود.
قال النابغة:
قالَت أَلا لَيتَما هَذا الحَمامُ لَنا | إِلى حَمامَتِنا وَنِصفُهُ فَقَدِ |
[أَرَى كلَّ قومٍ قاربُوا قَيْدَ فَحْلِهِمْ | ونحنُ خَلَعْنا قَيْدَهُ فَهْوَ سَارِبُ*] |
قال ابن عرفة: وفي الآية معنى آخر حسن وهو أن الإنسان له ثلاثة أشياء يحمد على استخدامها في أعمال البر والرشاد، ويؤمر على استخلاصها في ضد ذلك وهي: العلم، والقول، والفعل؛ فالعلم يوصل إلى التصديق بوحدانية الله تعالى، وأنه ليس في مكان ولا زمان، وغير ذلك مما يجب له ويستحيل عليه، وإن من ذلك جنة ونارا، وثوابا وعقابا، فهذا معلوم بالفعل أو بالعقل.
والفعل أن يفعل الخيرات، والقول بأن يأمر بها ويحض عليها، وقد وضعوا في الآية بعكس الأمور الثلاثة، فكذبوا بالحساب والعقاب والثواب فهذا ودع اليتيم فعل؛ لأنه [الدفع*] بعنف، ولم يحض على طعام المسكين فهذا القول؛ يقرأ الحسن بفتح الدال وتخفيف العين، ابن عرفة: وهذا أبلغ من الذم؛ لأنهم إذا ذموا على ترك اليتيم