عن تلك، انتهى كلام شيخنا في هذه الختمة، وذلك في أول ذي القعدة في سنة ست وسبعين وسبعمائة، وتقدم لنا عنه في الختمة الأولى فيها سؤالا عام تسعة وخمسين وسبعمائة ما نصه قوله تعالى: (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) فيه سؤال لم يذكروه وهو أنه نفيت علة العبادة عنه صلى الله عليه وعَلى آله وسلم بلفظ الفعل، ونفيت عنهم بلفظ الاسم المقتضي للتبري والممانعة، والفعل يقتضي التجدد والانقطاع فكان ينبغي العكس؟ قال: والجواب: أن ذلك في الثبوت، وأما في النفي [فلا أفعل*] أبلغ، ألا ترى أن قوله (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) [لَا أوصف بوصف*] عبادتكم ولا أنتم عابدون معبودي، فيكون [بمعنى المضي*] على ما قال الزمخشري، وأجاب طلبة ابن عرفة بجواب آخر، وهو لما عزم تفضيل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم واستدامته على دينه، ولم يحتج إلى نفي عبادته معبودهم عنه بلفظ الفعل، ولما كان الأمر في حق الكافر محتملا للدوام على دينهم أو الإسلام، بعد الله الإسلام عنهم بلفظ الاسم المقتضي للمبالغة واللزوم؛ ليزول الاحتمال الذي [يتطرق*] بالاستماع، قال ابن عرفة: واختلف نقل الزمخشري، وابن مالك، فقال الزمخشري: في أن [لَا مخلصات الفعل [للاستقبال*] [وأن*] (ما) من مخلصاته للحال، فقال ابن مالك: إنما الأغلب فيها الاستقبال وقد تخلص للحال، ابن عرفة: وقول الزمخشري أصوب؛ لأنه إذا تعارض عمل الكلية الواحدة على الاشتراك والانفراد، [فحملها*] على الانفراد أولى.
قوله تعالى: ﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥)﴾
أطلق [(مَا) على*] من يعقل منهم من جعلها مصدرية، أي عابدون عبادتي، ومنهم من قال موضوعة موضع الصفة، أي عابدون الحق الذي أنا أعبده، [كمن*] رأى [زيدا*] الشجاع؛ فإما أن يقول: رأيت رجلا شجاعا، أو يقول: رأيت الشجاعة فتضعها موضع الموصوف.
قوله تعالى: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦)﴾
جعل الخطاب في أول السورة معلقه راجع للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكون أصل السورة خطابه، وختمها به أيضا.
* * *


الصفحة التالية
Icon