تعظيم لها، فهو أبلغ من لو قيل: ملتهبة، قال ابن عرفة: احتج بها الأصوليون على جواز تكليف ما لَا يطاق؛ لأن أبي لهب [مأمور*] بأن يؤمن بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بكل ما جاء به، ومن جملة ما أمر به إيمانا إجماليا، وإنما يلزم تكليف ما لَا يطاق لو كان مأمورا بأن يؤمن به بكل ما جاء به إيمانا تفصيليا، فالأمر بالإيمان هو مطلق إجمالي يصدق ببعض الصور، وإخباره له بأنه لَا يصدقه ليس من تلك الصور من صدق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في كل شيء، وكذبه في شيء واحد فهو كافر بإجماع، فصح أن أبي لهب كافر مكذب له، ولو في بعض الأشياء دون بعض، ولا يلزم التناقض، قلت: ولما ذكر ابن التلمساني في شرح المسألة الرابعة عشر من باب الأوامر ذكر الاحتجاج بهذه الآية على وقوع تكليف ما لَا يطاق، قال ما نصه: واعترض بمنع ورود التكليف له على هذا الوجه، ويفتقر إلى نقل قاطع، قالوا: وإنما كلف أن يؤمن به وهو مؤمن، والله أعلم نبيه عليه السلام أنه لَا يؤمن؛ كما أعلم نوحا عليه السلام [في*] تكليفه لقومه وأمر أمراءهم أنه لم يؤمن به من قومه إلا من قد آمن، قلت: وعبر ابن عرفة مرة أخرى عن الجواب الأول بأنه إنما يلزم التناقض [لو كان تكليفا*]، وبأن يؤمن وأن لَا يؤمن، وإنما هو مكلف بأن يصدقه في هذا الخبر المتضمن لعدم إيمانه به علي الجملة، قلت: وتقدم لابن عرفة في (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ) ما استفهامية، وفائدة الاستفهامية يجيب المخاطب بما عنده، وليس عنده إلا الموافقة على أنه لم يغن عنه ماله شيئا.
قوله تعالى: (سَيَصْلَى نَارًا).
قال الزمخشري: السين للتحقيق، ابن عرفة: إنما دخلت للتحقيق، لقوله تعالى: (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ)؛ لأن الكتب واقع في الحال، بخلاف هذا قال ابن عطية: روي أن أولاد أبي لهب اجتمعوا عند ابن عباس فتنازعوا وتدافعوا، فقام ابن عباس ليحجز بينهم فدفعه أحدهم فوقع على فراشه، وكان قد كُف بصره، فغضب وصاح أخرجوا عني هذا الكسب الخبيث، قال ابن عرفة: وكذا نقل الزمخشري، وابني أبي لهب احتكموا إليه فاقتتلوا فقام ليحجز بينهم، قال: فدفعه بعضهم فوقع وغضب، فقال: أخرجوا عني الكسب [الخبيث*]، ونقل عن القاضي أبي عبد الله محمد بن عبد السلام أنه سئل [لم*] قال (فِي جِيدِهَا... (٥).. ولم يقل: في عنقها؟، فقال: إن الجيد لما كان محلا [للعقد*]، ولا يذكر إلا للمدح تهكم بها بذكره، فقيل ذلك الموضع الرفيع [... ] من العذاب بحبل من المسد الأصل وأقلها المسد.
* * *