أفرد البلدة وجمع (جَنَّاتٍ) لما يقوله الزمخشري في غير ما [موضع*]: إن الأشياء الظاهرة المعلومة بالضرورة يكفي فيها التنبيه على واحد منها؛ بخلاف الأمور الخفية، ولما كان نبات الربيع من غير استنبات، ونبات الجنات بالاستنبات، فالأول ظاهر في كل موضع أنه من الماء خاصة؛ بخلاف ما كان بالاستنبات، فإن السبب في نباته الماء والاستنبات ووصف البلدة بـ (مَيْتًا) مع أنه معلوم من مادة الإحياء إشارة إلى ما سبقت الآية لأجله من الاستدلال على جواز إحياء الموتى وإعادتهم، وإخبار الشارع بوقوع ذلك يوجب التصديق به.
قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ... (١٢)﴾
الزمخشري: هو تسلية للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتخويف كفار قريش، انتهى. ويحتمل كونه تسلية للمؤمنين وإزالة ما يوسوس به إليهم الشيطان من كفر غيرهم من قريش، فبينت الآية أن كل نبي آمن به قوم، وكفر به آخرون، وفي الآية رد على ابن قتيبة بأن القبيلة تقتضي الاشتراك في التكذيب، والأمم السالفة إنما كذبوا بالرسالة، وهذه الآية رد على من كذب بالمعاد، وهو أمر مستقبل فأطلق عليه لفظ التكذيب فهو كذب لَا خلف، وجوابه: أنهم كذبوا بالرسالة، ومن لوازم ذلك التكذيب بالمعاد فأطلق التكذيب وهو الرسالة ودخل المعاد في ضمنه.
قوله تعالى: ﴿وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ... (١٤)﴾
قرئ "ليكة" و"الأيكة"، ابن عطية: الألف واللام من "الأيكة" غير معرفتين لأن أيكة اسم علم كطلحة، يقال: أيكة وليكة فهي كالألف واللام في الشمس والقمر، وفي الصفات الغالبة قال: وفي هذا نظر، انتهى. أراد بالنظر أن ليكة عَلَم، فالألف واللام فيه زائدتان؛ كما هي في الزيد [والْعَمْرو*] [في قوله:*] [بَاعَدَ أُمَّ الْعَمْرِو مِنْ أَسِيرِهَا*]، [بخلافهما في*] الشمس والقمر، فإن الألف واللام فيهما للتعريف لأنهما كانا نكرتين.
قوله تعالى: (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ).
قول أبي حيان: إفراد الضمير على لفظ كل لأن مفرد الفخر إن كانت الألف واللام في الرسل للعهد، فيكون على التوزيع أي كل أمة كذبت رسولها ويكون تكذيبها رسولها واحدا، فقد كذب جميع الرسل لاتفاقهم على الأمر بتوحيد الله تعالى، وإن كان للجنس أن المراد جميع الرسل، فالتكذيب للجميع مطابقة لعجزنا عن الإعادة.
قوله تعالى: ﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ... (١٥)﴾