الثاني: إن هذا السؤال إنما يرد على تفسير الزمخشري حيث جعل (ما) مصدرية فيعود الضمير في به على الإنسان، ولنا أن نجعلها موصولة بمعنى الذي والضمير في به عائد عليها، والتقدير ويعلم الشيء الذي توسوسه به [نفسه*] أي الذي تتحدث به نفسه، ويكون المراد الخواطر التي يخطر لنفس أو يراد بالنفس الشهوة، وإنها توسوس العقل عند المتكلمين علوم ضرورية فلا يقبل أن يخاطب النفس، وفي سورة طه: (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) فالسر أظهر من الوسوسة؛ لأنه كلام النفس أو كلام اللسان سرا، والوسوسة ما في القلب فيحتمل أن تكون الوسوسة هي المرادة من السر، أو يكون الأول الجهر، والثاني: دونه وهو السر، والثالث أخفى منهما وهو الوسوسة.
قوله تعالى: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ).
تنبيه على كمال تعلق علم الله تعالى بجميع الكائنات وأنك كما تفهم علم الواحد منا بأحوال من هو في المسافة منه بمنزلة (حَبْلِ الْوَرِيدِ) الذي هو في عنقك، كذلك وينبغي أن يعتقد في علم الله تعالى.
فإِن قلت: القرب بالنسبة إلى الله تعالى مجاز وفي (حَبْلِ الْوَرِيدِ) حقيقة فيلزم عليه استعمال اللفظة الواحدة في حقيقتها [ومجازها*]، وهو ممتنع عند الأصوليين نص عليه الفخر، وابن التلمساني في المسألة الخامسة من الباب الأول، قلت: في الكلام حذف مضاف أي من قرب (حَبْلِ الْوَرِيدِ) فيكون القرب المضمر حقيقة والمظهر مجازا.
قوله تعالى: ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧)﴾
الزمخشري: العامل فيه أقرب؛ لأن معاني الأفعال قد تعمل، انتهى، وذكر ابن هشام في شرح الإيضاح خلافا عمل أفعل من ذكر ذلك، في قوله تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ).
ابن عطية: ويحتمل أن يكون العامل فيه مضمرا، أي ذكر (إِذْ يَتَلَقَّى)، قال: ويحسن هذا؛ لأنه أخبر خبرا مجرداً بالخلق والعلم بخطرات الأنفس والقرب بالقدرة والملك، فلما تم الإخبار أخبر [بتلك*] الأحوال التي تصدق هذا الخبر، فمنها (إِذْ يَتَلَقَّى) المتلقيان، ومنها مجيء سكرة الموت والنفخ في الصور، ومجيء (كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ)، انتهى. وهو حسن؛ لأنه إذا كان يعلم الوسوسة حين التلقي فيكون نفيا لما يتوهم من أنه إنما [يصل*] إلى علم ذلك من جهة الملائكة الحفظة فإذا