احتراس بعد قوله: (فَتَوَلَّ) بمعنى أن توليه إنما هو بمعنى عدم [**التمالك عليهم] لا محض المشاركة بين أن التذكر ينفع لمن حصل له الإيمان بمعنى إقامة حدوده، وطاعاته، وفروع تكاليفه، ويحتمل المراد من سيحصل له الإيمان، والأول أظهر،... (٥٦).. ثم أكد الأمر بالتذكير بكون الجن والإنس خلقوا للعبادة لَا غير، وظاهر الآية مشكل لأنهم خلقوا لغير ذلك عقلا إذ فيهم كثير من العصاة، والدليل الظني السمعي إذا خالف الدليل العقلي يجب تأويله عند المحققين، فاضطر المفسرين إلى تأويل الآية فذكروا [وجوها*].
فإِن قلت: في الآية دليل المعتزلة في تعليل أفعال الله تعالى، قلت: التعليل قسمان، تعليل بمعنى أن الفعل مقصود به الفرض، ولو لم يكن لما حصل ذلك الفرض، فهذا عندنا لَا يجوز في حق الله تعالى لاستلزامه النقص والافتقار، وتعليل بمعنى ربط الأسباب بمسبباتها، ولو شاء أن يقع دونها لوقعت؛ [فهذا*] جائز في حق الله تعالى وهو المراد في الآية.
الزمخشري: فإن قلت: لو أراد العبادة منهم لكانوا كلهم عبادا، قلت: إنما أراد منهم أن [يعبدوه*] مختارين للعبادة لَا مضطرين إليها؛ لأنه خلقهم [ممكنين*] فاختار بعضهم ترك العبادة مع كونه مريدا لها، ولو أراد على [القسر*] والإلجاء لوجدت من جميعهم عبادة، انتهى. هذا السؤال مشكل، وجوابه مشكل والعجب من الطيبي كيف لم يتعرض لذلك، لأن هذا السؤال إنما يتوجه على مذهب أهل السنة إذ هو باطل عند المعتزلة والمورد للسؤال إنما يأتي فيه بما هو باطل عنده فيورده على معنى الشبهة على مذهبه.
والزمخشري: لَا يقول أنه لو أراد العبادة لكانوا كلهم عبادا، وإنما يقوله أهل السنة فكيف نورد عين مذهبه بسؤال على مذهبه، وإنما كان نورده أن لو كان مخالفا لمذهبه فيورده شبهة على مذهبه، ثم أجاب الزمخشري: بجواب غير مطابق للسؤال لأن الإرادة عندهم إنما تتعلق بفعل المريد، والعبد عندهم [يخلق*] أفعاله وفعله الاختياري مخلوق له، فهو غير مراد الله؛ بخلاف فعله القسري الإلجائي.
فإِن قلت: لم عدل في الآية عن صريح الحقيقة إلى المجاز، ولم يقل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا) لأكلفهم العبادة؟ قلت: تهييجا على العبادة وعلى الاتصاف بها بالفعل.
ابن العربي في سراج المريدين في اسم العابد خفيت هذه الآية على المبتدعة وأهل السنة، فقال بعض المبتدعة: أراد منهم العبادة ففعلوا ما أرادوا.


الصفحة التالية
Icon