وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ) وأرجو أن يجعله الله منهم، فأما من أسلم وجرى عليه القلم ثم أصيب بعد ذلك، فقال بعض أهل العلم والفضل: يطبع على عمله بمنزلة من قد مات. ابن رشد ما رجاه ابن القاسم من إلحاقهم بآبائهم، يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وروي عن ابن عباس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إن الله ليرفع ذرية المؤمن معه في جنته وإن لم يبلغها في العمل ليقر بهم عينه"، ثم قرأ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ) الآية.
ابن العربي في أحكام القرآن: فأما اتباع الصغير لأبيه في أحكام الإسلام فلا خلاف فيه، وأما تبعيته لأمه فاختلف فيه العلماء أو [اضطرب فيه قولهم*]، والصحيح أنه في الدين تبيع من أسلم من أبويه، للحديث الصحيح عن ابن عباس، أنه قال: "كنت أنا وأمي من المستضعفين من المؤمنين" [وذلك أن أمَّه أسلمتْ قبل أبيه العباس، فتبِع أمَّه في الدِّين"*]. ["هذا خلافُ ما في كتاب الديات من "المدونة"، قال فيه: "مَن أسلمتْ تحت نصراني ففي جنينِها ما في جنينِ النصرانية، وذلك نصفُ عُشُرِ ديةِ أبيه"*] انتهى. وظاهر الآية إلحاقُ جميع الذرية [وإنْ بَعُدُوا، لقوله (ذُرِّياتِهِمْ) بالجمع،*]، وأفرد في قوله: (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ) وهذا في الدار الآخرة، وليس في الآية دليل على أن المرء يلحق الأكرم [والأرفع*] من جهة جدِّه لأمه في الدنيا.
وقال بعضهم: الآية تدل على عدم الولد بالأب في الدين لأنها اقتضت أن الولد لا يلحق بالأب بمجرد الإيمان بل [بإيمان*] عظيم؛ لأن التنكير في الإيمان للتعظيم.
قوله تعالى: (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ).
احتراس من مثل مذهب المرجئة؛ لأنه لما ألحقت الذرية بالآباء في الثواب فقد يتوهم المتوهم أنه لَا يضر مع ذلك من المعاصي فأتى بهذا الكلام احتراسا، وكان المناسب أن يقول: (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ) فعدل عنه لما ذكرنا، ويحتمل كونه من [المرسل التمثيلي*] لقوله تعالى: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا)، وفي سورة المدثر (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ) فإن كان الزمان واحداً فهذا عام مخصوص بتلك، وإن كان مختلفا فيكون زمان هذه متقدما فيكون في الحشر وعند الحساب ومرتهنين بأعمالهم، ثم بعد ذلك يدخل بعضهم الجنة، وبعضهم النار.


الصفحة التالية
Icon