عرفة: في تفسيره للقرآن، وذكر لنا هذه الحكاية في تفسير قتل موسى للقبطي في سورة القصص.
وحكى ابن عطية: عياض في الشفاء القول بالصرفة وعد أنهم قادرون على معارضته، ثم صرفوا من ذلك، ولكنه شاذ وصرفهم عنه ببعثه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومن نظر خطب الفصحاء الجاهلية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لَا يجد فيها ما يبلغ إلى نظم القرآن وإعجازه وفصاحته بوجه، وظاهر هذه الآية أنهم أمروا أن يأتوا بآية أو بعض آية [لقول مثله*]؛ خلافا للأصوليين القائلين بأنهم لم يؤمروا ببعض آية.
وقول بعضهم: إن أقل ما أمروا به سورة، يرد بأن السورة مطلقة في جميع السور، فيصدق على البقرة، وكذا قولهم أن أقل ما أمروا به آية، لأن الآية مطلقة تصدق على [آية الدَّين*]، وهي كثيرة؛ بل أقل ما أمروا به بفعل آية، وقوله تعالى: (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ).
قال القاضي عياض: الإنسان كثيرا ما يستطيع العبارة عن ما يريده ولا يقدر على العبارة عما يطلب منه إلا القليل من النَّاس، فعجز الكفار عن الإتيان بمثله مفترى على أي معنى يريدونه لَا على معنى تقدم وسبق، مع أنه أهون، فدل على اتصالهم بغاية العجز انتهى، ولهذا لما قدم الحريري صاحب المقامات على بغداد ذكر له أمرها وقائع وأخبارا وأمورا، وطلب أن يدخلها في ترسلات يكتب فيها إلى البلاد فعسر عليه ذلك، ثم إنه أنشأ ذلك، فلما استكمله وعرضه على الأمير، بمحضر الكتاب وأهل الإنشاء، سقط من أعينهم واحتقروه لقبح ما جاء به عندهم، لأنه لما أنشأ المقامات إنشاء على معان نقلها من عند نفسه، وهذه إنشاءات على معان طلبت منه، فلا يقدر عليها إلا الإمام النحرير.
وقول الفخر في الآية دليل على من يقول أن القرآن مخلوق، لأنهم دعوا إلى الإتيان بمثله، يرد بأن المعجزة من شرطها عندنا الحدوث، والإعجاز لَا يقع إلا بالحادث، فلا دليل في الآية، وتحقيق ذلك أن القراءة مخلوقة، والقرآن قديم، ومنهم من [**أطلق الخلق على القرآن بمحضر القوم سدا للذريعة]، وهو مذهب عبد الله بن محمد الذهلي، شيخ البخاري، ومنهم من لم ير بذلك بأسا، وهو مذهب مسلم والبخاري، ومن أجله [**لما مع الذهلي القضية المشهورة]، ذكرها الخطيب في تاريخ بغداد.
قوله تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ... (٣٥)﴾