قال ابن عطية: ورواية الحاء غير منقوطة أحسنُ (١).
ولما جمعت المصاحف وعُرضت، نظر فيها عثمان رضي الله عنه، فقال: قد أحسنتم وأجملْتم، غير أنا نرى فيها لحنًا، وسنُقيمه بألسنتنا (٢).
ووجه ذلك: أنه وجدهم كتبوا حروفًا على خلاف ما اقتضاه اللفظ.
ومنها ما كان على الأصل، ولو تلفظ به لكان لحنًا.
ومنها ما كان من طغيان القلم بحيثُ علمَ عثمانُ أنه لا يعرض في مثله ريبٌ، من نحو ما كتبوا: (الرّبوا) بالواو في جميع القرآن، إلا ما في سورة الروم، من قوله: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا﴾ [الروم: ٣٩] وهو في الأصل من ربا يربو، وتظهر الواو في التثنية، فيقال: رِبَوان، وكأنه كان في الأصل رِبَوٍ على وزن فِعَلٍ، فكُرهت الحركةُ على الواو، وطُلبَ منها السكون، فإذا سُكِّنت، التقَتْ مع التنوين، وهو ساكن، فتسقط الواو؛ لسكونها وسكونِ التنوين.
فكأن الكاتب حملَ ما هو الأصلُ، فخرجَ عَمَّا يطابقُه اللفظ، وكذلك: (الصلوةُ والزكوةُ) كُتبتا بالواو، وهي الأصل، والجمعُ يُظهر ذلك، إذا قيل: صلوات وزكوات، كأنها كانت في الأصل صَلَوَةً وزَكَوَةً، ولكنه لما كُرهت حركةُ الواو، وكانت قبلها فتحةٌ، انقلبتْ ألفًا، وكذلك (الحيوة) كتبت بالواو، وهي الأصل، ولكنَّ اللفظ المعروف في أهل اللسان يخالف ذلك.
وأُسقطت الألفُ في قوله تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ (٩)﴾ [البقرة: ٩]، وحُذفت

(١) انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (١/ ٤٩).
(٢) رواه أبو داود في "المصاحف" (٢/ ٧٤٥ - "الدر المنثور" للسيوطي).


الصفحة التالية
Icon