ثم أحدثَ الخليل بنُ أحمدَ الفراهيديُّ بعد هذا هذهِ الصُّور: الشدَّةَ، والمدَّةَ، والهمزةَ، وعلامةَ السكونِ، وعلامةَ الوصل، ونقلَ الإعرابَ من صورةِ النقطِ إلى ما هو عليه الآن.
وأما النُّقط: فأولُ من وضعها بالمصحف نصرُ بنُ عاصم الليثيُّ بأمرِ الحجَّاجِ بنِ يوسفَ أميرِ العراقِ وخراسانَ، وسببُه: أن الناس كانوا يقرؤون في مُصحفِ عثمانَ نَيِّفًا وأربعينَ سنةً إلى أيام عبدِ الملكِ بنِ مروانَ، ثم كَثُرَ التَّصحيفُ، وانتشرَ بالعراقِ، فأمر الحجاجُ: أن يضعوا لهذه الأحرف المشتبهةِ علاماتٍ، فقام بذلك نَصْرٌ المذكورُ؛ فوضعَ النقطَ أفرادًا وأزواجًا، وخالفَ بينَ أماكنِها، وكان يقال له: نَصْرُ الحروف.
وأول ما أحدثوا النقط على الياء والتاء، وقالوا: لا بأسَ به، هو نورٌ له، ثم أحدثوا نقطًا عند منتهى الآي، ثم أحدثوا الفواتحَ والخواتمَ.
فأبو الأسودِ الدؤليُّ هو السابقُ إلى إعرابه، والمبتديء به، ثم نصرُ بن عاصمٍ وضع النقطَ بعدَه، ثم الخليلُ بنُ أحمدَ نقلَ الإعرابَ إلى هذه الصور.
وكان مع استعمال النقط والمشكل، يقعُ التصحيفُ، فالتمسوا حيلةً، فلم يقدروا فيها إلا على الأخذِ من أفواهِ الرجال بالتلقين؛ فانتدَبَ جهابذة علماء الأمة، وصناديد الأئمة، وبالغوا في الاجتهاد، وجمعوا الحروفَ والقراءات، حتى بَيَّنوا الصوابَ، وأزالوا الإشكال -رضي الله عنهم-.
***