وانصرِفوا إلى بلادِكم، فأَتَوا النبيَّ - ﷺ - من الغدِ، وقد غدا محتَضِنًا الحسنَ (١)، آخِذًا بيدِ الحسينِ (٢)، وفاطمةُ خلفَهُ، وعليٌّ خلفَها، ويقولُ لهم: "إِذَا دَعَوْت فَأَمِّنُوا"، فقالَ أسقفُ نجرانَ: يا معشرَ النصارى! إني لأرى وجوهًا لو سألوا اللهَ أن يزيلَ جبلًا عن مكانِهِ لأزاله، فلا تَبْتَهِلوا فَتَهْلِكوا ولا يَبْقى على وجهِ الأرض نصرانيٍّ، فأَبَوا المباهلةَ، فصالَحَهم - ﷺ - على مالٍ يؤدُّونه إليه في كلِّ عامٍ، وهو ألفا حُلَّةٍ، ألفٌ في صَفَرٍ، وألفٌ في رَجَبٍ، وانصرَفوا إلى بلادِهم، فقال - ﷺ -: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدهِ! إِنَّ العَذَابَ قَدْ تَدَلَّى عَلَى أَهْلِ نَجْرَانَ، وَلَوْ لاعَنُوا، لَمُسِخُوا قِرَدَةً وخَنازِيرَ، ولاضْطَرَمَ عَلَيْهِمُ الوَادِي نارًا، ولاسْتَأْصَلَ اللهُ نَجْرَانَ، حَتَى الطَّيْرَ عَلَى رُؤُوسِ الشَّجَرِ، وَلَمَا حَالَ الحَوْلُ عَلَى النَّصَارَى كُلِّهِمْ حَتَّى هَلَكُوا" (٣)، وأما رَسْمُ (لعنت) هنا، وفي النور، فإنه بالتاء، وقفَ عليها بالهاء ابنُ كثيرٍ، وأبو عمرٍو، والكسائيُّ، ويعقوبُ.
﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٢)﴾.
[٦٢] ﴿إِنَّ هَذَا﴾ أي: المذكورَ من خبرِ عيسى.
﴿لَهُوَ الْقَصَصُ﴾ أي: الخبرُ.
(٢) في "ش": "الحسن".
(٣) انظر: "أسباب النزول" للواحدي (ص: ٥٥)، و"تفسير البغوي" (١/ ٣٦٢ - ٣٦٣)، و"العجاب في بيان الأسباب" لابن حجر (٢/ ٦٨٢).