محمدٍ - ﷺ -، ثم خاطبَ كلَّ من التزمَ الإيمانَ على وَجْهِهِ وكمالِهِ، فقال:
﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ﴾ وهي الإبلُ والبقرُ والغنمُ، [وأرادَ تحليلَ ما حرمَ أهلُ الجاهليةِ على أنفسِهم من الأنعامِ] (١)، وسميتْ بهيمةً؛ لإبهامِها من جهة نقصِ نطقِها وفهمها، وعدمِ مَيْزِها (٢) وعقلها، وقال ابنُ عباسٍ، وعبدُ اللهِ بنُ عمرَ: "بهيمةُ الأنعامِ الأَجِنَّةُ في البطنِ إذا ذُبِحَتْ أُمهاتُها" (٣)، قال القرطبيُّ (٤): وفيه بُعْدٌ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قالَ: ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ وليسَ في الأجنةِ ما يُستثنى.
واختلفَ الأئمةُ في الجنينِ الذي يوجَدُ في بطنِ أُمه مَيْتًا إذا ذُكِّيَتْ، هل تكونُ ذكاتُها ذكاةً لجنينِها، ويحلُّ أكلهُ؟ فقالَ أبو حنيفةَ: لا يحلُّ أكلُه، وقالَ صاحباه: إذا تمَّ خلقُه، حَلَّ أكلُه، وقال مالكٌ: إذا لمَّ خلقُهُ، ونبتَ شعرُه، أُكِلَ، وإلا فلا، وقالَ الشافعيُّ وأحمدُ: يحلُّ أكلُه، سواءٌ نبتَ شعرُه أو لم ينبتْ، واستحبَّ أحمدُ ذبحَهُ، فإنْ خرجَ وفيه حياةٌ مستقرَّة، لم يُبحْ إلا بذبْحه، بالاتفاق.
﴿إِلَّا مَا يُتْلَى﴾ أي: يُقْرَأُ.
﴿عَلَيْكُمْ﴾ تحريمُهُ في قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ [المائدة: ٣] استثناءً من بهيمةِ الأنعامِ.
﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ﴾ ومعنى الآية: أُحلَّتْ لكمُ الأنعامُ كلُّها إلا ما كانَ
(٢) في "ن": "تميزها".
(٣) انظر: "تفسير البغوي" (١/ ٦٣٠)، و"تفسير القرطبي" (٦/ ٣٤).
(٤) انظر: "تفسير القرطبي" (٦/ ٣٤).