جهةِ الشامِ، وطولُ أرضِ (١) التيهِ نحوٌ من ستةِ أيام، والصحيحُ أنَّ موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام كانا في التيه، ولم يكنْ عقوبةً لهما، بل كانَ راحةً ورحمةً؛ كإبراهيمَ عليه الصلاة والسلام حين أُلقيَ في النار، وماتَ هارونُ عليه السلام في التيه، كما تقدَّم في أواخرِ سورةِ النساءِ، ولم يحضر بنو إسرائيلَ موتَه، فاتهموا موسى بقتلِه، فقالَ لهم: يا سفهاءَ بني إسرائيلَ! ماذا لقيتُ منكم؟ أقتلُ أخي وشقيقي وعَضُدي؟! ثم دعا اللهَ تعالى أن يبرئَهُ عندَهم من ذلك (٢)، فأمر اللهُ الملائكةَ أن يحملوا سريرَ هارون الذي وُضعَ عليهِ بداخلِ الكهفِ الذي دُفنَ فيه، فحملوه في الهواء بينَ السماءِ والأرض، ونادتِ الملائكةُ: يا بني إسرائيلَ! لا تتَّهِموا موسى بقتلِ أخيهِ هارونَ (٣)، فهذا سريرُه قد قبضَهُ اللهُ تعالى، فحزنَ بنو إسرائيلَ على موته؛ لأنه كانَ محبوبًا عندَهم، ولم يدخلِ الأرضَ المقدسةَ أحدٌ مِمَّنْ قالَ: ﴿إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا﴾، فلما انقرضوا على رأسِ أربعينَ سنةً، سارَ موسى بالمؤمنينَ نحوَ القريةِ إلى بابِ حِطَّةَ، ومكتوبٌ عليه اسمُ اللهِ الأعظمُ، وأقبلَ المؤمنون فسجَدُوا عندَ الباب، ودخلَ أولادُ الفاسقينَ، وبدَّلوا قولًا غيرَ الذي قِيلَ لهم كما تقدَّم في سورةِ البقرةِ، وغلبَ موسى على مدينةِ أَريحا، ثم تُوفي موسى بعدَ وفاةِ هارونَ بأحدَ عشرَ شهرًا.
وفي "الصحيح" من حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النبيِّ - ﷺ - أنه قال: "أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى، فَلَمَّا جَاءَهُ، صَكَّهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ عز
(٢) "من ذلك" زيادة من "ظ".
(٣) "هارون" زيادة من "ظ".