فرُوي أن رسول الله - ﷺ - قال: "اقْطَعُوا عَنِّي لِسَانَهُ"، فَأُعطيَ حتّى رضي (١).
وفرقَ رسولُ الله - ﷺ - الغنائمَ، ولم يعطِ الأنصارَ شيئًا، فوَجَدُوا في أنفسِهم، فدعاهم رسولُ الله - ﷺ - فقال: "إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ، وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأَتَأَلَّفَهُمْ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ إِلى بُيُوتكُمْ؟ "، قالوا: بلى، قال: "لَوْ سَلَكَتِ النَّاسِ وَادِيًا وَسَلَكتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِي الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَ الأَنْصَارِ" (٢).
وقد اتفق الأئمةُ على جوازِ اجتهاده - ﷺ - في أمرِ الدنيا ووقعَ إجماعًا، واختلفوا في المجتهدينَ بعدَه، فقال أبو حنيفةَ: كلُّ مجتهدٍ مصيبٌ، والحقُّ واحدٌ عندَ الله، وقال الثلاثةُ: المسألةُ الظنيةُ: الحقُّ فيها واحدٌ عندَ الله، وعليه دليلٌ، وعلى المجتهدِ طلبُه، فمن أصابَ فمصيبٌ، وإلا، فَمُخْطيءٌ مثابٌ، والجزئيَّةُ الّتي فيها نصٌّ قاطعٌ: المصيبُ فيها واحدٌ وفاقًا، ولا يأثمُ مجتهدٌ في حكمٍ شرعيٍّ اجتهاديٍّ، ويُثابُ بالاتفاق.
ثمّ بعدَ الفراغ من أمرِ هوازن، اعتمرَ رسولُ الله - ﷺ -، وعادَ إلى المدينة، واستخلفَ على مكةَ عتَّابَ بنَ أسيدِ، وهو شابٌّ لم يبلغْ عشرينَ سنةً، وتركَ

(١) رواه مسلم (١٠٦٠)، كتاب: الزَّكاة، باب: إعطاء المؤلِّفة قلوبهم على الإسلام، وتصبر من قوي إيمانه، عن رافع بن خديج -رضي الله عنه-.
(٢) رواه البخاريّ (٣٥٦٧)، كتاب: فضائل الصّحابة، باب: مناقب الأنصار، ومسلم (١٠٥٩)، كتاب: الزَّكاة، باب: إعطاء المؤلِّفة قلوبهم على الإسلام، وتصبر من قوي إيمانه، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-.


الصفحة التالية
Icon