[٨٤] ولما حضرَ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيّ ابنَ سلولَ المنافقَ الموتُ، بعثَ إلى رسولِ اللهِ - ﷺ -، فدخلَ عليه، فقال: "أَهْلَكَكَ حُبُّ اليهود"، فقالَ: لم أبعثْ إليكَ لتؤنِّبني، بلْ لتستغفرَ لي، وطلبَ منه أن يُكَفِّنَهُ بثوبهِ الذي يلي جسدَه، فكَفَّنه - ﷺ - دفعًا لِمِنَّتِهِ؛ لأنه كانَ قد كسا العباسَ لما أُسِرَ يومَ بدرٍ قَميصًا؛ لأنه لم يكنْ بقدرِه قميصٌ سِوى ثوبِ ابنِ أُبَيٍّ، وصلَّى عليه، فَكُلِّمَ - ﷺ - في ذلك، فقالَ: "وَمَا يُغْنِي عَنْهُ قَمِيصِي وَصَلاَتي مِنَ الله؟ واللهِ إِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أنْ يُسْلِمَ بِهِ أَلْفُ رَجُلٍ لِمَا يَرَوْنَ مِن تَبَرُّكِهِ"، فَرُوي أنه أسلمَ ألفٌ من قومِه لما رأوه يتبرَّكُ بقميصِ النبيِّ - ﷺ -، فنزلَ:
﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا﴾ (١) لا تقفْ عليهِ للدفن، و (مَاتَ) ماضيًا معناه الاستقبالُ؛ لأنه كائنٌ لا محالةَ.
﴿إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾ فما صلَّى رسولُ اللهِ - ﷺ - بعدَها على منافقٍ، ولا قامَ على قبرهِ حتى قُبِضَ.
* * *
﴿وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (٨٥)﴾.
[٨٥] ﴿وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ الخطابُ للنبيِّ - ﷺ -، والمرادُ: أُمَّتُهُ، إذ هو بإجماعٍ مِمَّنْ لا تفتنهُ زخارفُ الدنيا، ووجهُ تكريِرها تأكيدُ هذا المعنى، وأيضًا لأنَّ الناسَ كانوا يُفتنون بصلاحِ حالِ المنافقين في دنياهم.

(١) انظر: "تفسير البغوي" (٢/ ٣١٢ - ٣١٣)، و"تخريج أحاديث الكشاف" للزيلعي (٢/ ٩٣)، و"الدر المنثور" للسيوطي (٤/ ٢٥٩).


الصفحة التالية
Icon