الثانية، معناه: لم يكنْ مكرُهم بمزيلٍ الجبالَ، وقرأ الكسائيُّ بفتحِ اللام الأولى وضمِّ الثانية (١)؛ أي: إنَّ مكرَهم وإنْ عَظُمَ حتى بلغَ بمحلٍّ يزيلُ الجبالَ لم يقدِروا على إزالةِ أمرِ محمدٍ - ﷺ -.
وروي أن الآيةَ نزلَتْ في نمرود الجبارِ الذي حاجَّ إبراهيمَ في ربِّه، قال النمرودُ: إنْ كانَ ما يقولُ إبراهيمُ حقًّا، فلا أنتهي حتى أعلمَ ما في السمواتِ، فبنى صرحًا عظيمًا ببابلَ، ورامَ الصعودَ إلى السماءِ ينظرُ إلى إله إبراهيمَ، واختلِفَ في طولِ الصَّرحِ في السماء، فقيل: خمسةُ آلافِ ذراعٍ، وهو قولُ ابنِ عباسٍ، ووَهْبٍ، وقيل: فرسخانِ، وهو قولُ كعبٍ، ومقاتلٍ، ثم عمدَ إلى أربعةِ أفراخٍ من النسورِ، وأطعمَها اللحمَ والخبزَ حتى كبَرتْ، ثم قعدَ في تابوتٍ ومعه غلامٌ له، وقد حملَ القوسَ والنشَّابَ، وجعلَ لذلكَ التابوتِ بابًا من أعلاه، وبابًا من أسفلِه، ثم ربطَ التابوتَ بأرجلِ النسورِ، وعلَّق اللحمَ على عصًا فوقَ التابوتِ، ثم خَلَّى عن النسورِ فَطِرْنَ طمَعًا في اللحمِ حتى أَبْعَدْنَ في الهواءِ، وحالتِ الريحُ بينَها وبينَ الطيرانِ، وقالَ لغلامه: افتحِ البابَ الأعلى فانظرْ ففتحَ، فإذا السماءُ كهيئتِها، وفتحَ البابَ الأسفلَ فإذا الأرضُ سوداءُ مظلمةٌ، ونودي: أيها الطاغي! أين تريد؟! فأمرَ عند ذلكَ غلامَه فرمى بسهمٍ، فعادَ إليه السهمُ متلطِّخًا بالدم، فقال: كُفِيتُ شُغْلَ إلهِ السماءِ، واختلِفَ في ذلكَ السهمِ بأيِّ شيءٍ تَلَطَّخَ؟ فقيل: من سمكةٍ في السماءِ، من بحرٍ معلَّقٍ في الهواء، وقيل: أصابَ طيرًا من الطيورِ فتلطخ بدمِه، ثم أمرَ نمرودُ غلامَه أن يضربَ العصا، وينكسَ اللحمَ، ففعل

(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣٦٣)، و"التيسير" للداني (ص: ١٣٥)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٥٦٩)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٢٤٣).


الصفحة التالية
Icon