واحتجَّ بهذهِ الآيةِ مَنْ حَرَّمَ لحومَ الخيلِ، وهو قولُ أبي حنيفةَ ومالكٍ؛ لأنَّه عَلَّلَ خلقَ هذهِ الأشياءِ بالركوبِ والزينةِ، ولم يذكرِ الأكلَ، وعن مالكٍ روايةٌ أخرى أَنَّها مكروهةٌ، وقالَ الشافعيُّ وأحمدُ وأبو يوسفَ ومحمدُ بنُ الحسنِ بإباحةِ لحومِ الخيلِ، وقالوا: ليسَ المرادُ من الآيةِ بيانَ التحليلِ والتحريمِ، بل المرادُ منهُ تعريفُ اللهِ عبادَه نعمَهُ وتنبيهَهُم على كمالِ قدرته وحكمتِه، وحُجَّتُهم ما رُوي عن جابرٍ رضي الله عنه قال: "نَهَى رَسولُ اللهِ - ﷺ - يومَ خيبرَ عن لحومِ الحمرِ، ورَخَّصَ في لُحومِ الخيلِ" (١)، وأَمَّا لحومُ البغالِ والحُمُرِ الأهليَّةِ، فمحَرَّمَةٌ بالاتفاقِ (٢)، ورُوي عن مالكٍ أنها مكروهةٌ كراهةً مغلَّظَةً.
﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ أي: إن مخلوقاتِ اللهِ من الحيوان وغيرِه لا يُحيط بعلمِها بَشَرٌ، بل ما يخفى عليه أكثرُ مما يعلمُه.
...
﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (٩)﴾.
[٩] ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ يعني: بيانُ الطريقِ الحقِّ لكم، والقَصْدُ: الطريقُ المستقيمُ.
﴿وَمِنْهَا﴾ أي: ومن السبيلِ؛ لأنها تُذَكَّر وتؤنَّثُ ﴿جَائِرٌ﴾ أي: عادلٌ

(١) رواه البخاري (٥٢٠١)، كتاب: الذبائح والصيد، باب: لحوم الخيل، ومسلم (١٩٤١)، كتاب: الصيد والذبائح، باب: في أكل لحوم الخيل، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-.
(٢) في "ت": "على الاتفاق".


الصفحة التالية
Icon