لابتداءِ الغايةِ، ويصحُّ أن تكونَ لبيانِ الجنسِ؛ كأَنه قال: ونُنْزِلُ ما فيه شفاءٌ من القرآنِ، قال ابنُ عطية: وأنكرَ بعضُ المتأوِّلينَ أن تكونَ (من) للتبعيضِ؛ لأنه تحفَّظَ من أن يلزمَه أن بعضَهُ لا شفاءَ فيه، وليس يلزمُه هذا، بل يصحُّ أن تكونَ للتبعيضِ بحسبِ أنَّ إنزالَه إنما هو مبعَّضٌ؛ كأنه قالَ: (وننزلُ من القرآنِ) شيئًا شيئًا (ما) فيهِ كلِّه (شفاءٌ)، واستعارةُ الشفاءِ للقرآنِ هو بحسبِ إزالتهِ للريبِ، وكشفِهِ غطاءَ القلبِ لفهمِ المعجزاتِ والأمورِ الدالةِ على الله تعالى المقررة لشرعه، انتهى (١).
﴿وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ لأنه سببُ الرحمة.
﴿وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ نَقْصًا؛ لأنهم يُنكرونَ القرآنَ فيخسرونَ.
...
﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (٨٣)﴾.
[٨٣] ونزلَ فيمنْ كان يدعو ويلجأُ إلى اللهِ في البلاءِ، ويتركُ ذلكَ في الرخاء: ﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ﴾ بِسَعَةِ الرزقِ وكشفِ البلاءِ ﴿أَعْرَضَ﴾ وَلَّى عن التضرُّعِ.
﴿وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾ بَعُدَ بناحيتِهِ، كأنه مستغنٍ مستبدٌّ بأمرِه. قرأ أبو جعفرٍ، وابنُ ذكوانَ عن ابنِ عامرٍ: (وَنَاءَ) بهمزةٍ بعدَ الألفِ، مثل فاعَ وجاءَ من النَّوْءِ، وهو النهوضُ والقيامُ، والباقون: يجعلونَ الهمزةَ قبلَ الألفِ (٢)،
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣٨٤)، و"التيسير" للداني (ص: ١٤١)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٧١٠)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري =