[١] لما سألتْ قريشٌ رسولَ اللهِ - ﷺ - عن المسائلِ الثلاث: الرُّوحِ والكهفِ وذي القرنينِ حَسْبَ ما أَمَرهم به اليهودُ، قالَ لهم رسولُ اللهِ: "غَدًا أُخْبِرُكُمْ"، ولم يقلْ: إن شاءَ الله، فعوتبَ بلبثِ الوحيِ عنهُ خمسةَ عشرَ يومًا، فأرجفَ به المشركونَ، وقالوا: إنَّ محمدًا قَدْ تركه رِئِيُّهُ الذي كانَ يأتيه من الجنِّ، وقال بعضُهم: قد عجزَ عن أكاذيبهِ، إلى غيرِ ذلكَ، فشقَّ ذلكَ عليه، فجاءه الوحيُ من الله سبحانَه بالجوابِ، فافتتحَهُ بحمدِ اللهِ تعالى، فقال الله عز وجل: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ (١) أي: الثناءُ له، وتقدَّمَ الكلامُ عليه مستوفىً في سورةِ الفاتحةِ.
﴿الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ﴾ محمد - ﷺ - ﴿الْكِتَابَ﴾ القرآنَ.
﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾ والعِوَجُ: فَقْدُ الاستقامَةِ، وهو بكسرِ العينِ في المعاني، وبفتحِها في الأشخاصِ؛ كالعصَا والحائطِ ونحوِهما.
...
﴿قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (٢)﴾.
[٢] ﴿قَيِّمًا﴾ مستقيمًا نصبٌ على الحال، وفيه تقديمٌ وتأخيرٌ، مجازُه: أنزلَ على عبدِهِ الكتابَ قِيمًا، ولم يجعلْ له عِوَجًا، قالَ ابنُ عطية: ويصحُّ أن يكونَ معنى (قيمًا): قيامَهُ بأمرِ الله تعالى على العالَمِ (٢).
وهذا المعنى يؤيده ما بعده من النذارة والبشارة اللذين عنى العالم، وكان حفص عن عاصم يسكت يسيرًا على (عِوَجًا)؛ تنبيهًا على تمام الوقف

(١) انظر: "تفسير القرطبي" (١٠/ ٣٨٥).
(٢) انظر: "المحرر الوجيز" (٣/ ٤٩٥).


الصفحة التالية
Icon