لا حاجة لي إليكم، حسبي الله ونعم الوكيل، وتعرض له جبريل وهو يقذف به في لجة الهواء إلى النار، وقال له: هل لك من حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، وأما إلى الله، فبلى، قال جبريل: فاسأل ربك، فقال إبراهيم: حسبي من سؤالي علمه بحالي، فلم يستنصر بغير الله، ولا جنحت همته لما سوى الله، بل استسلم لحكم الله مكتفيًا بتدبير الله -عز وجل- عن تدبير نفسه، وكان يومئذ ابن ست عشرة سنة، ولما وقع في النار، لم يحترق سوى وثاقه"، فذلك قوله تعالى: ﴿قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ (١) أي: ابردي ليسلم، فذهبت حرارتها وإحراقها، وبقيت إضاءتها وإشراقها.
قال ابن عباس: "لو لم يقل: بردًا وسلامًا، [لمات إبراهيم من بردها، ولو لم يقل: على إبراهيم، لبقيت بردًا وسلامًا] (٢) أبدًا" (٣).
وروي أنه لم يبق في ذلك الوقت نار بمشارق الأرض ومغاربها إلا خمدت، ظانة أنها المعنية بالخطاب، قال كعب الأحبار: "جعل كل شيء يطفئ عنه النار إلا الوزغ؛ فإنه كان ينفخ في النار" فلذلك أمر النبي - ﷺ - بقتلها، وسماها فويسقًا (٤).
وعن علي رضي الله عنه: "أن البغال كانت تتناسل، وكانت أسرع الدواب في نقل الحطب لنار إبراهيم، فدعا عليها، فقطع الله نسلها، ولما

(١) انظر: "تفسير البغوي" (٣/ ١٦٦ - ١٦٧)، و"تفسير القرطبي" (١١/ ٣٠٣)، و"البحر المحيط" لأبي حيان (٨/ ١٧٥)، و"روح المعاني" للآلوسي (١٢/ ٤٢٥).
(٢) ما بين معكوفتين زيادة من "ت".
(٣) انظر: "تفسير البغوي" (٣/ ١٦٧).
(٤) انظر: "تفسير البغوي" (٣/ ١٦٧)، و"تفسير القرطبي" (١١/ ٣٠٤).


الصفحة التالية
Icon